«.. فإذا تكلمنا عن ألوان الملابس، فأول الاهتمامات وكيفية اختيار اللون هو: نوع القماش، شكل الرسوم وألوانها، بالإضافة إلى الانتباه إلى لون البشرة وشكل الوجه، شكل الجسم، طول الجسم، بيئة وثقافة الشخص، ثم نأتي إلى التوقيتات والمناسبات والأماكن..»

يتفاخر الدبلوماسيون من مختلف المدارس الدبلوماسية الأجنبية حول طبيعة بروتوكول وإتيكيت اختيار أفضل الألوان للملابس، سواء على المستوى العائلي الشخصي أو على مستوى الوفود وكبار الشخصيات وبكافة المناسبات، وكيف يتبارون في وضع المراسم والخطوات التي تبدي أهمية اللون ومدى تقبّله عند الطرف الثاني، سواء من كبار الشخصيات والوفود الرسمية أو في الأنشطة الرسمية أو غير الرسمية والفردية منها أو من وفد أو تجمع أشخاص بمناسبة خاصة، حيث درست المدارس الدبلوماسية تأثير اللون ونوعه على نفسية الأشخاص وسلوكهم، وكانت نظريات علم النفس والاجتماع تلعب دورًا مهمًّا في وضع استراتيجيات هذا الإتيكيت ونحن كدبلوماسيين ننظر إلى اللون؛ لأنه يعكس ثقافة وشخصية وكاريزما الدبلوماسي واللون هنا ليس في الملابس فقط وإنما يشمل أثاث البيت، دهان الجدران، ستائر البيت وخصوصًا غرفة الضيوف وجلوس العائلة، المطبخ، السجاد الأرضي، اللوحات الجدارية، الطاولات، غرف الطعام، الإكسسوارات.. وغيرها من الاستخدامات التي تعيش معنا، ومن الصعب جدًّا تغطية صفات واستخدامات اللون في مقال واحد أو مقالين؛ لكون اللون يدخل في جميع مفردات الحياة اليومية. وكما تطرقت في المقالات السابقة، حتى اختيار الزهور وألوانها لها مناسباتها وأوقاتها. ويعد القرآن الكريم مصدر إلهام لنظريات الألوان، حيث تم ذكرها في كثير من الآيات الكريمة والإعجاز القرآني خير دليل على ذلك في استخدام اللون المعين لحالة خاصة ذي دلالة اجتماعية خاصة، قال تعالى في محكم كتابه:(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (الحـج ـ 63) ليعطينا دلالة على أن اللون الأخضر بأنه هو الانتعاش والحياة الجديدة والأمل في الحياة، وهو ما تذهب إليه مدارس التصميم الداخلي باستخدام مشتقات اللون الأخضر في غرفة الجلوس أو مكتبة البيت لكونه يبعث على الأمل والنشاط وحب الحياة، بالإضافة إلى مزجه بالألوان الفواتح المتناسقة معه ليعطينا إطلالة رائعة، وهو اللون الوحيد الذي يملك بعد “موجي مثالي” لا يؤثر على بؤبؤ وقزحية العين، لذلك خلق الله لنا الخضرة والأشجار والبساتين باللون الأخضر ولم يخلقها لنا باللون الأحمر أو الأصفر وبقية الألوان ذات البُعد “الموجي” العالي المؤثر على قزحية العين استنادًا إلى الصفات الفيزيائية المتعارف عليها، وهذا فضلٌ من الله على البشرية قال تعالى:(وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) (الكهف ـ 31).
يُعرف اللون في اللغة بأنه الصفة التي تطلق على الجسم، وهو ذلك التأثير الفسيولوجي الناتج على شبكية العين، فهو إحساس وله تأثير على الجهاز العصبي للكائنات الحية، والعين على درجة كبيرة من الراحة، خصوصًا للألوان الأخضر والأبيض والأزرق، وتتوسع وتحسس العين عند نهايتي الأحمر والبنفسجي، لذلك نرى الإشارات المرورية في كل دول العالم باللون الأحمر، فالعين قادرة على إدراك أقل اختلاف في اللون ويمكنها أن تميز من 200 إلى 250لونًا، لذلك أكدت المدارس الدبلوماسية على مشتقات اللون الأبيض في النهار والألوان الداكنة في الأنشطة الليلية، وأن لكل وقت وحدث لونًا مستحبًّا ومفضَّلًا، وكذلك أضافت عمر الشخص سواء (ذكرًا أم أنثى) والوظيفة والمنصب ولون البشرة، كله هذه المفردات وُضِعت تحت إتيكيت استخدام اللون.
ولأهمية اللون في حياتنا؛ لكونه يعكس أبهى صور للشخص بالإضافة إلى رقي استخدام اللون في مكانه المناسب، فلا يجوز إطلاقًا ـ على سبيل المثال ـ أن نلبس ألوانا شعاعية أو برّاقة مثل اللون الأحمر أو الأصفر أو ألوان تجذب النظر بصور غير معقولة أثناء الصباح أو النهار في الدوام الرسمي.
فإذا تكلمنا عن ألوان الملابس، فأول الاهتمامات وكيفية اختيار اللون هو: نوع القماش، شكل الرسوم وألوانها، بالإضافة إلى الانتباه إلى لون البشرة وشكل الوجه، شكل الجسم، طول الجسم، بيئة وثقافة الشخص، ثم نأتي إلى التوقيتات والمناسبات والأماكن، سواء كانت رسمية أو شخصية أو اجتماعية، فلا يمكن أن نرتدي الألوان الشعاعية البرَّاقة مثل الأصفر الفاقع أو الأحمر في الدوام الرسمي صباحًا أو النهارية. وتفضل المدارس الدبلوماسية اختيار الألوان البيج وجميع الألوان الفاتحة ومشتقاتها بالاعتماد على لون البشرة وطبيعة وشكل الجسم، لذلك يعد (فواتح) اللون الأبيض والبيج والأخضر والأزرق والبنِّي من الألوان المفضلة صباحًا، وفي المناسبات الليلية تكون الألوان ذات الموج العالي كالأسود والأحمر والأزرق (الداكن).
أما بالنسبة إلى اختيار ألوان أثاث المنزل فيعتمد كثيرًا على سيكولوجية صاحب البيت وثقافته ومهنته والمساحات الهندسية وكمية الشمس الداخلة إلى البيت، وعدد أفراد العائلة والأطفال، والمورد المالي، وكثير من المفردات الأخرى التي تلعب دورًا جوهريًّا في جمالية أي غرفة بالبيت. فلا يمكن أن يكون ذوق الطبيب يشابه ذوق العسكري أو الحداد أو الخباز، مع عالي احترامي لجميع المهن والوظائف. فكل شخص له ثقافته وذوقه في العيش استنادًا إلى طبيعة وخلفية حياته، بالإضافة إلى سيكولوجية وكاريزما الشخص، فالإنسان ذو القلب الطيب والعقل المتفتح غير شخصية المتمرد الأناني.
وفي الختام، فإنَّ استخدام اللون يدلل على شخصية وذوق الإنسان، وبالتالي المصمم معرفة صفات ومهنة صاحب البيت (عصبي، هادئ، مندفع، إيثار، يحب عمل الخير، متسامح، جشع، عنده روح الفكاهة، كئيب، الانضباط والقيادة.. إلى غيرها من الصفات الإيجابية والسلبية التي تلعب دورًا مُهمًّا في اختيار اللون وجمالية المكان).

د. سعدون بن حسين الحمداني
دبلوماسي سابق وأكاديمي