(وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) (لقمان ـ 19).
* معاني الكلمات: (أنكر): أقبح.
* التفسير الإجمالي:
أدب خفض الصوت ينطوي ضمن القول بالتي هي أحسن، وعلينا ألا نصخب عندما نتكلم، فقد نهى الله عن ذلك، وإلا صار كلامنا قبيحاً غير مفهوم بل مزعج ومُؤذٍ كصوت الحمير.
وقال الله تعالى:(وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا، وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) (الاسراء 23 ـ 24).
* معاني الكلمات:(قضى): أمر وشرع، (إحسانًا): برًّابهما، (أُفٍّ): اسم فعل بمعنى أتضجر، (لا تنهرهما): لا ترفع الصوت عليهما أو تغلظ لهما في الكلام، (كريمًا): ليّنًا حسنًا.
* التفسير الإجمالي:
الوالدان؟ وما أدراك ما الوالدان؟ إنهما سر وجودنا، وقيام حاجتنا يوم كنا صغارًا، يحبوننا من غير منفعة، يسهرون الليل ويتعبون في النار من أجلنا، ولطالما قضينا الحاجة في طفولتنا، فلم يغضبا، بل بادرا بغسلها، ولم ينهرانا، هما الوحيدان في الكون اللذان يريداننا أن نكون أفضل منهما، إنهما شموع حياتنا، ونور طريقنا، وأبواب جنة ربنا.
ولمّا كان الآية السابقة لهذه الآية تنهى عن الشرك، كان من المناسب أن تأتي هذه الآية تأمر بالتوحيد، وهو حق الله على العبيد، وتربط حقه بحق الوالدين، وكأن المولى يضع رضاه في رضاهما، وسخطه في سخطهما، فقال سبحانه:(وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، والإحسان هو فوق المطلوب، فالمطلوب هو طاعة أوامرهما، والانتهاء عن زواجرهما في حدود طاعة الله، لكن يزيد الإحسان بالإتيان بصلاحهما قبل تلقي أمرهما، والانتهاء عن زجرهما قبل تلقي ذلك، ويشمل الإحسان طول صحبتهما.
هذا هو الإحسان للوالدين، ويكون أشد ما يكون في بلوغ أحدهما أو كليهما الكبر، إذ إن الكبير أصبح عاجزًا كالطفل ومحتاجًا إلى مَن يقوم به، فلا بد أن لا يتقزز الولد من نجاسته بل يغسلها بروح عالية ونفس مطمئنة إلى ربها، حتى أن أخف الزجر والعصيان هو كلمة (أُفٍّ) لهما تعتبر معصية، ثم حرم سبحانه نهرهما وهو الكلام الغليظ الخشن، كأن يتقزز من النجاسة فينازع أباه، بل عليه أن يقول له قولًا لينًا لطيفًا حسنًا جميلًا، كما كان والداه يقولان له إبان صغره، ثم يأمره ربن بقوله:(وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) أي: ألن له جانبك متواضعًا بل من التواضع حتى الذل، أي الذل الآتي من الرحمة والشفقة لوالديه، وليدعُ لهما كما قال ربنا: (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) فيقول: يا رب ارحمهما كما رحماني حين ربياني صغيراً، والوالدان الكافران كالوالدين المسلمين في الحقوق، إلا في الدعاء، فإنه لا يجوز الدعاء لكافر بالخير.

* علي بن سالم الرواحي
كاتب عماني