انطلق رفقة أخويه بحماس زائد نحو ورش البناء ليقوم بالمهمة. كان هو أصغر إخوته وأكبرهم لم يتجاوز السادسة عشر من عمره. أن تجد عملا في العطلة الشتوية صعب أو هو من باب المستحيلات. في حين يكون الأمر متاحا في العطلة الصيفية وفي صيغ عديدة. إما تجارة في الحلويات أو في القفف البلاستيكية وإما مساعد نادل أو غير ذلك. الصفقة تقتدي نقل الآجور إلى السطح والوسائل أيد حافية وبرد قارس. وصل الثلاثة إلى الورش ليجدوا جبلا أحمرا شاهقا عليهم أن يحملوه على كاهلهم.
صاحب الورش يقول بأنه يقدم للأيتام وأمهم معونة في شكل أجر عمل ويضيف أن بإمكانه أن يأتي بحمالين محترفين فيضمن السرعة في الإنجاز والجودة في العمل والرخص في الثمن.
تشكره الأم وتدعو له بالثواب الجزيل من الله. وأن فعله هذا صدقة. وقف الأولاد بإصرار وعزيمة النمل وبدأوا في العمل. كان كل واحد منهم يشحذ عزيمة الآخر ويقويها بالآمال والأماني. فالمبلغ الذي سيحصلونه بإمكانه أن يتيح لهم سفرية عند جدتهم والاستمتاع بما بقي من عطلة.
أو يمكنهم أن يخففوا من عبء الأم ولو قليلا. أو يمكن أن يسعدوا أحدهم بلباس صوفي يرد عنه برد شتائهم القارس. كان الجبل يخر أمام إصرار وعزيمة الصغار وتنبت عوضه جبال صغيرة في أيديهم حتى استوى مع الأرض ولم تبقى من حمرة الجبل إلا تلك الفتات الذي بقي يحرس ظل الجبل. كانت يدي الصغير قد تجلدت وماثلت قسوتها قسوة الآجور. ومع ذلك بقي شامخا معتزا بما أنجز إلى أن وصل إليهم أحد الحمالين المحترفين يسألهم عن المبلغ الذي وصلهم من صاحب الورش ودون ان ينتظر جوابهم أخبر الصغار أنه اختلف مع رب العمل في مبلغ بسيط... وهو المبلغ نفسه الذي وصلهم من صاحب المنزل أو جارهم القريب. عزم الأطفال أن يقولوا أشياء كثيرة لكنهم لاذوا بالصمت في نهاية المطاف.


* مصطفى البعليش
كاتب مغربي