بعد إعلان شركة (ألفابت)، الشركة الأُم لشركة جوجل المالكة لمنصَّة اليوتيوب، عن أرباحها الربع سنوية، والتي بلغت في الربع الأوَّل من عام 2022م حوالي (68) مليار دولار، بزيادة (23%) عن الفترة ذاتها في العام الذي سبقه، في حين أن إيراداتها طوال عام 2019م قد بلغت (15) مليار دولار، ليثير هذا التضخم في الأرباح تساؤلات عدَّة عن المستفيد من هذه الأرباح الضخمة التي تحققها تلك المنصَّة ومثيلاتها، والتي أضحت قِبلة للمُعلِنين في ربوع العالم كافَّة. فقد كشف تقرير صادر عن “ميلتواتر 2022” عن أنَّ وسائل التواصل الاجتماعي والمؤثِّرين التسويقيين أسهموا في تغيير ميزانيات التسويق لدى مؤسَّسات القِطاعين العام والخاص في منطقة الشرق الأوسط، حيث إنَّ (78%) من هذه المؤسَّسات تعتزم رفع ميزانياتها على منصَّات التواصل الاجتماعي، وهو ما سيؤثِّر سلبًا بالتأكيد على وسائل الإعلام المحلِّية المقروءة منها والمسموعة والمرئية، والتي باتت تُناضل من أجْل الإيفاء بالتزاماتها المالية؛ نظرًا لقلَّة المحتوى الإعلاني لديها، ناهيك عمَّا فرضته تلك المنصَّات العالمية من تخفيض في سوق أسعار الإعلانات.
إنَّ هذا الخلل الواضح في توزيع الأرباح الإعلانية بَيْنَ المؤسَّسات المحلِّية، التي لطالما كان لها دَوْرٌ اجتماعي وتنموي، يساعد الدولة في تحقيق سياساتها، وبَيْنَ تلك المنصَّات العالمية التي تضخَّمت أرباحها بشكْلٍ مُطَّرد، بالرغم من تأثيرها السلبي الذي يفرضه المحتوى غير المسؤول الذي تقدِّمه، وهذا التسابق من الشركات المحلِّية للإعلان على تلك المنصَّات سيكُونُ له مردود وأثَرٌ سلبي، خصوصًا وأنَّ معظم الدوَل لا تفرض ضرائب على تلك الشركات أو من يصنعون المحتوى على تلك المنصَّات، بشكْلٍ يتناسَبُ مع تلك الأرباح، وبشكْلٍ يحمي المؤسَّسات الإعلامية المحلِّية من هذا التغوُّل المشهود، ويساعدها على البقاء، والإيفاء برسالتها الإعلامية التي تراعي صالح الوطن والمواطن، وتتحلَّى بالمسؤولية الوطنية فيما تقدِّمه من محتوى، تستطيع الدولة محاسبتها إذا جانبها الصواب يومًا.
ولعلَّ فرْضَ ضرائب تواكب أرباح تلك المنصَّات بات فرْضَ عَيْنٍ، فمن ناحية تأخذ الدولة نصيبها من تلك الأرباح التي تحققت نتيجة الإعلانات المحلِّية، وتكُونُ تلك الأرباح نواةً لمساعدة وسائل الإعلام المحلِّية ورَقيَّةً كانت أم إلكترونية، مقروءةً كانت أم مسموعة أم مرئية، فحماية تلك الوسائل الوطنية من هذه المنافسة غير العادلة تقع على عاتق الدولة، التي يَجِبُ أنْ تغيِّرَ من القوانين والتشريعات الخاصة بسُوق الإعلان، ليتماشى مع الشَّكل الجديد الحالي والمستقبلي، فكثير من الدول فرضت ضرائب ثنائية على تلك الشركات وعلى صنَّاع المحتوى الناشرين على تلك المنصَّات، بالإضافة إلى ضرورة فرض ضرائب على المؤسَّسات التي تختار هذه المنصَّات للإعلان والترويج، على أنْ يُقتطع جزء من هذه الضرائب أو الرسوم، ويتمُّ عَبْرَهُ تقديم الدَّعم للمؤسَّسات الإعلامية المحلِّية بمختلف أنواعها.
ويبقى على وسائل الإعلام المحلِّية العمل على مواكبة التطوُّر الذي يشهده العالم، ليس فقط فنيًّا، لكنَّها مطالبة بتنويع مصادر دخلها، عَبْرَ ابتكار طُرق عمل حديثة، تسعى إلى بيع المحتوى الحصري، أيًّا كان نوعه، والانخراط في تسهيل أنشطة التجارة الإلكترونية التي تعود بعوائد مُعتبرة، فضلًا عن الاستمرار في الحصول على عوائد الإعلانات الرَّقمية التي لا تتوقف عن الارتفاع من جانب، وإلزام الشركات المالكة للمنصَّات العالمية بدفع عوائد على المحتوى الذي تقدمه تلك الوسائل المحلِّية، خصوصًا وأنَّه محتوى محترف يختلف عما يُقدِّمه صنَّاع المحتوى الحاليُّون، ما سيُنمِّي مصادر الدَّخل الذَّاتي لتلك المؤسَّسات، التي يُعدُّ استمرارها ضرورة وطنية؛ لِمَا تُقدِّمه من خدمات إعلامية هادفة، قادرة على إحداث الفارق الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، الذي يتكامل مع جهود الدولة التنموية في كافَّة القِطاعات.