[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
تضيء هذه الصحيفة الغراء "الوطن" اليوم شمعتها الخامسة والأربعين حاملةً معها رسالتها الإعلامية السامية في ثقة واقتدار تجاه عُمان الماجدة وقائدها المخلص وأبناء شعبه الأوفياء، وتجاه الوطن العربي وقضايا الأمة بروح وطنية وقومية وثابة وتحمُّل لمسؤولية الكلمة.
وانطلاقًا من حرية التعبير التي أرسى دعائمها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ "بأهمية تعدد الآراء والأفكار وعدم مصادرة الفكر؛ لأن في ذلك دليلًا على قوة المجتمع وعلى قدرته على الاستفادة من هذه الآراء والأفكار بما يخدم تطلعاته إلى مستقبل أفضل وحياة أسعد وأجمل"، آلت "الوطن" على نفسها ومنذ بزوغ فجرها أن تحمل إلى العالم رسالة هذا الوطن المعطاء وقيمه ومفاهيمه السامية التي أرساها جلالة السلطان المعظم ـ أبقاه الله ـ، حيث قدمت طوال أربعة وأربعين عامًا عطاءً متميزًا في الطرح والتناول والشرح مسنودًا بالبراهين الموضوعية والعقلانية والشفافية بعيدًا عن عوامل الإثارة والتشنج، وفكرًا متجددًا ورؤيةً عميقةً تمثَّلَ في هذا الرسوخ والإيمان العميق لدى المتابعين من قراء ومعلنين وكتاب بمدى ما تتمتع به هذه الصحيفة الغراء من موثوقية ومصداقية، وشفافية وموضوعية في التناول، سواء في المادة الخبرية أو التحليل أو الرأي والرأي الآخر، فلم تكن يومًا منفصلة أو معزولة عن الواقع، أو تشطح بها الأهواء وتتقاذفها عواصف التحولات وتميل بها رياح المتغيرات حيث مالت، بل إنها كانت حاضرة عند كل مفصل من مفاصل الأحداث، وعند كل مرحلة من مراحل البناء في الداخل والخارج حركة بحركة ولحظة بلحظة، ممتشِقةً سيف كلمة الحق والعقل والمنطق، متكِئةً على فكر ووعي وروية وبُعْدِ نظر، معطِيةً كل حدث وزنه الحقيقي ومدى دوره وتأثيره سلبًا أو إيجابًا في حركة تفاعلاته، سواء كان الحدث يتعلق بالشأن الداخلي للبلاد أو يتصل بقضايا الوطن العربي وقضايا الأمة والشعوب، مرفقِةً به رأيها بكل تجرد ومسؤولية، مفرِدةً في ذلك مساحات لوجهات النظر المتعددة ـ حتى وإن اختلفت معها ـ إيمانًا من "الوطن" بأن هذا يسهم في إثراء الحياة الثقافية والفكرية ويرفع مستوى الوعي لدى الناس بمختلف شرائحهم بشكل من الأشكال، وأن سماع الآخر شيء مهم والأهم السماح بنشر وجهة النظر المخالفة ما دامت في حدود أدب الحوار والنقد البنَّاء الذي يعود على الفرد والمجتمع بالخير.
لقد قدمت "الوطن" شهادة استحقاقها بكل جدارة بأنها الصحيفة العمانية الأولى وأنها أحد رواد الإعلام والفكر في العصر الحديث بمواكبتها النهضة المباركة، والأحداث الإقليمية والعالمية، عبر إطلالتها اليومية بأحداث ومقالات وتحليلات وموضوعات محلية وسياسية واقتصادية وثقافية وفكرية ورياضية ومنوعات، وعروض عربية وأجنبية لأهم الإصدارات في عالم المطبوعات وقضايا الساعة التي تهم القراء، ما جعلها بحق نافذة محلية وسياسية واقتصادية وثقافية ورياضية، ورافدًا معرفيًّا، وجسرًا للتواصل بين العالم العربي وقرائها في كل مكان.
وإذا كانت هناك من كلمة حق يجب أن تقال في حق هذه الصحيفة الرائدة، فهي أنها في صميم رسالتها الإعلامية السامية حرصت على خلق شخصية متزنة لأفرادها، من خلال تفاعلها مع الأحداث والمستجدات وكيفية تقديمها للمجتمع وتبصير أفراده وتنبيههم، وإنارة بصيرتهم وإيقاظ وعيهم على حقيقة مجريات الأحداث، وعدم الانجرار وراء الدعايات المغرضة والمشبوهة التي يطلقها أعداء الأمة والمرجفون في الأرض، وما تنطوي عليه تلك الدعايات من خفايا وأجندات ومشاريع موجهة إلى هدم هذا الكيان الإنساني العربي أخلاقيًّا وسلوكيًّا وعقليًّا ونفسيًّا وفكريًّا واجتماعيًّا ومجتمعيًّا، لكون هذا الهدم يقود تلقائيًّا إلى هدم المجتمعات، ولعل التنبيه والتحذير مما يدسه الأعداء من سموم في عسل الحديث عن "الديمقراطية وحقوق الإنسان والحريات وحماية المدنيين والدولة المدنية والعدالة الاجتماعية والمساواة" في إطار مشروعهم التدميري الموجه ضد المنطقة والمستتر خلف كذبة "الربيع العربي"، هو واحد من القضايا التي لا تزال "الوطن" تقف إزاءها بالتحليل الموضوعي والعقلاني، مستمرة في فرز سموم الأعداء من عسل حقوق البشر في الديمقراطية واحترام حقوقهم وإتاحة الحرية لهم وتحقيق العدالة والمساواة بينهم، ودحض ذلك بالدليل والبرهان من خلال ما تزدحم به المنطقة من كوارث ومآسٍ تسببت فيها المحاولات المتواصلة للأعداء بدس سمومهم، لتدمير الكيان الإنساني والبنيان المجتمعي في المنطقة على النحو الذي يراه الجميع في العراق وليبيا واليمن وماضٍ في سوريا وغيرها.
"الوطن" ظلت ولا تزال تسرج قلم الحقيقة، لتشكل بألوان مدادها وعيًا عربيًّا عامًّا لدى الشباب العربي وتؤهلهم للاندماج والتفاعل مع مجتمعاتهم وبما يعود عليها وعليهم بالخير والرخاء والاستقرار، وتعمل على غرس قيم أخلاقية سامية تذكي روح المواطنة الصادقة، وتضع البوصلة أمامهم في اتجاه واحد وهو اتجاه قضيتهم العادلة؛ القضية الفلسطينية، وعدوهم الأوحد وهو كيان الاحتلال الصهيوني، فكل ما تتكبده المنطقة اليوم، بل والعالم جراء هذه الجرثومة السرطانية التي تنخر المنطقة وتدمر إنسانها وبنيانها وتهدم استقرارها وتضرب سلمها وأمنها ورخاءها وتنميتها.
"الوطن" هي النبض الحي الذي واكب مسيرة النهضة المباركة ونطق بلسانها, وكانت ولا تزال ضمير النهضة العمانية ووعيها المستنير, وأسهمت بكل اعتزاز واقتدار في إيصال مضامين التنمية وأهدافها وفلسفتها الحكيمة التي صاغها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ. و"الوطن" هي النبض الحي لقضايا الأمة والراصد الأمين لتاريخها، وأحد مدافع الحق الموجهة إلى باطل أعداء الأمة.. وفي يوم ذكرى ميلادها أبتهل إلى الله بأن يحفظ لنا جلالة السلطان المعظم الذي رفع أعمدة الحرية والكلمة الحرة والمسؤولة وشاد صروحها، وأن يمنَّ عليه بالصحة والعافية والسؤدد، ويعيده إلينا سالمًا معافى. وفي هذه الذكرى الطيبة أسأل المولى العلي القدير الرحمة والمغفرة لفرسان الوطن المؤسسين الأوائل، وأزجي لصاحب الامتياز المدير العام رئيس التحرير محمد بن سليمان الطائي أعطر التحيات وأرق التهاني مقرونةً بالدعاء إلى الله بأن يحفظ "الوطن" عرين الحق، ويكتب على يديه ومن بعده المزيد من التوفيق والنجاح والتطور، إنه سميع مجيب.