” هذه الجريدة التي حبا الله أهلها بالنورانية، وموفور العقل، وصوابية النهج، والمصداقية الراجحة، هي جريدة (الوطن)، التي ما رأيت فعلها، وما سمعت صوتها، وما وعيت قولات أهلها.. إلا وأخذتني واعيتي، وانتباهاتي إلى المعنى الأول .. وحدة العرب! إذ لا خلاص لهم من شرورهم (الخاصة بهم) ومن شرور الآخرين (الطامعين بهم)، إلا بها،”
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أعترف، أنني، ومنذ أمد طويل، وأنا أهمّ بالكتابة عن جريدة عربية لفتت انتباهي إلى نقاوة صوتها العروبي، وحرصها على وحدة الموقف العربي، وفضحها اليومي لوجوه اللامبالاة العربية، ووقوف العرب جميعاً، إلا من عصم ربك، موقف المتفرج على ما يحدث من خراب وتدمير، وقتل، وظلم، واقتراف للويلات، واستنبات للنكبات، ليس في فلسطين العزيزة وحدها (أرضاً، وشعباً، وتاريخاً، وثقافةً، وعمراناً)، ولا في الجنوب اللبناني وحده هذا الجنوب الذي كتب أهله تاريخهم بالثقافة التي لا تدانيها ثقافة، وبنوا قراهم، وعمّروا بيادرهم بمعاني الفداء والتضحية التي، لندرتها، لم أجد لها مثيلاً أو شبيهاً، وإنما في جميع البلاد العربية، أرضاً، وحدوداً، وعلاقات، وانتماء. والأمثلة المبصورة أمام الجميع من العراق إلى اليمن، ومن ليبيا إلى مصر إلى سوريا!
هذه الجريدة التي حبا الله أهلها بالنورانية، وموفور العقل، وصوابية النهج، والمصداقية الراجحة، هي جريدة (الوطن)، التي ما رأيت فعلها، وما سمعت صوتها، وما وعيت قولات أهلها.. إلا وأخذتني واعيتي، وانتباهاتي إلى المعنى الأول .. وحدة العرب! إذ لا خلاص لهم من شرورهم (الخاصة بهم) ومن شرور الآخرين (الطامعين بهم)، إلا بها، فما من كتاب خضيل، ذهبي في المعنى والمقام سوى كتاب الوحدة!
هآنذا، أستعيد علاقتي بهذه الجريدة، قبل سنوات المحنة العربية الراهنة، أي سنواتنا التي نشهد أحزانها، ونعيش أوجاعها، وقد انفتح المشهد العربي من الأقصى إلى الأقصى، ومن الأبعد إلى الأقرب، على الدواهي، والشرور، والأحقاد، والفتن، فأجد أنها اختطت لنفسها نهجاً عروبياً له جماله، ومصداقيته، وظلاله، وثبوته، فلم تفرق بين بلد عربي وآخر، وإنما جعلت همّها أن تنبّه وتحذر وتصيح بالعرب أن المخاطر محدقة بهم كقطع الليل وأشد ظلمة، وأن التدابر والتحارب فيما بينهم هما من أنجس الأفعال الناقصة!
لقد رأيت أسطر هذه الجريدة (الوطن) باكيات وهي ترى ما حدث، ويحدث، في ليبيا، وانتقال الحياة الليبية من زمن المدنية، والدولة، والمؤسسات، إلى زمن التقاتل على آبار النفط ، والكراسي ، في مشهد معاركة تخجل الوحوش المفترسات أن تبديه جهاراً. ورأيت الألم يعصر السطور الوطنية العمانية، وهي ترى ما حدث في مصر، بيت العروبة والعقيدة، ورأيت البهجة تراقص السطور وتطير بها فرحاً حين انتصر أهل الجنوب اللبناني بعدما طردوا المحتل الصهيوني في عام (2000)، وحين أوثقوه، وشلوا خطاه في عام (2006)، ورأيت ووعيت النفير العام الذي نادت به الجريدة وقطاع غزة هاشم، تاريخ العرب، وعمرانهم وحضارتهم المطلة على المتوسط، يغرق في الظلام، والعزلة، والدم في عام (2009- 2008)، بل ورأيت الجريدة تصيح صباح كل يوم بالعرب كي ينتبهوا وينهضوا لأن شرور الحاقدين المحتلين الصهاينة مندفعة فوق أرض قطاع غزة كالأوبئة القاتلات في عام (2014) !
ورأيت، ووعيت، وأدركت نبل المقصد، وأصالة المنبت، وجمال الموقف. وجريدة (الوطن) تحذر، وتنادي، وتصرخ بأعلى الصوت أن ما يحدث في سوريا التاريخ، وسوريا الكتاب، وسوريا العمران، وسوريا المجد (الذي نادد مجد الإغريق والرومان) هو أكبر من جريمة إنسانية، وأفدح من مذابح يومية، وأشمل من حرب كونية، لأن الشر الداهم أحاط بكل شيء، ويريد أن يأتي على كل شيء، ومعظم العرب يتفرجون، وكأنهم ليسوا في كريهة ومداحمة، وإنما هم في مسرح للرقص والغناء! وأن ما يريده أعداء سوريا والعرب والحق بات واضحاً لكل من يملك عينين، رائيتين، ولكل من يملك قلباً يدق للعرب تاريخاً، ولغة، وعقيدة! ولكل من يملك ذرةً واحدة من المشاعر الإنسانية!
يا لهذا الموقف العروبي النبيل أيتها (الوطن)، ويا لجمال الصوت، ويا لنداوته، ويا للرؤية الباصرة بحق ومن أجل الحق!
بلى، بالمواقف تكتبُ النفوس تاريخها، وبالمواقف يُعرف النبل، كما تُعرف الأصالة، وبالضوء تعرف بشاعة الظلمة، وبالحق يُزهق الباطل!
من قلبي الهاتف بالمحبة، أتجول شكراً كبيرا، للندية البهية (الوطن). معنى العروبة الطالع من أرض الأصالات!

حسن حميد* أديب فلسطيني مقيم في دمشق