” .. وإذ هذه هى الوطن وما عُرفت به، أو ما شاءا لها أن تكونه مؤسساها الرائدان نصر وسليمان ابنا محمد الطائي، فهى بالضرورة لم تكن يوماً في حاجة لمن يُجنَّدون أو يتجنَّدون من اولئك الكتبة ... ولا حتى كان عليها أن تختار كُتَّابها، لأن كتابها هم من اختاروها ويختارونها لأنهم عثروا فيها على ضالتهم ... على منبرهم،”
ــــــــــــــــــــــــــــ
إنه لزمن مختلف تعيشه الأمة في واحدة من أخطر مراحل ماعاشته من حقب تاريخها المديد والبادىء مع التاريخ ... زمن تفيض فيه بين ظهرانينا ومن حولنا شتى صنوف المنابر، التي تغرق بدافق حابلها ونابلها ساحاتها، وتكتظ فيه اجواؤها المختنقة بهمومها بما يغزوها من داخلها ومن خارجها من شاشات، ويتعرَّض فيها وعي انسانها المستهدف على مدار الثانية لسيل عارم متلاطم من ما يضخ من معلومات هى في أغلبها الموجَّه وغالباً ما يجرف لاحقها سابقها وقليل قليلها مما يلبث في الأرض وكثيرها مما يذهب جفاءً، لكن بعد الحاقه بوعيه ما يلحقه تلفاً أو قرفاً هو في غنى عنه ...
... وإذ لكل من هذه الحشود المنبرية المتوالدة، أمقروءة، أم مرئية، أم مسموعة، منطلقها ومواقفها واستهدافاتها، أو موقعها وتخندقها، فلها بالضرورة ما تختاره أو يختارها، أو يتجندون، أو يُجنَّدون، في صفوف بيارقها المرفرفة بمتعدد الأشكال والألوان والغايات ... لذا، وفي مثل هذه الحقبة المختلفة والأخطر من تاريخ هذه الأمة، والذي شد ما يعوزها فيه هو ما من شأنه أن يرمم وجدانها المثلوم، ويشد من أزر توقها الكسير وأحلامها المطاردة، ويجمع كلماتها المبددة، وينفخ في روحها العظيمة التي لم ينطلق بعد ماردها الحبيس من بين ركام المرحلة الأسوأ في حياتها ... فإن أمتنا الآن هى الأكثر حاجة من بين أمم الأرض إلى مثل تلك القلة القليلة من تلكم المنابر، التي هى حقاً تُبعث وتنطلق فحسب من وجدانها، فتنطق بالتالي وبحق بكلمتها، وتعكس من ثم وبصدق صورتها، منطلقةً في هذا وذاك من عمق هذا الوجدان حادبةً عليه، أي من حيث هى فعلاً في موقع وذاك المستوى المنشود من المسؤولية الذي يؤهلها لأن تتبرع فتنطق باسمها.
نستحضر هذا، ونحن إزاء مناسبة استدعت منا مثل هذا الاستحضار، ألا وهى مرور أربعة واربعين عاماً على تأسيس جريدة الوطن ... أو هذا المنبر الذي لانملك إلا القول فيه وبلا تردد أنه واحد من تلكم المنابر القليلة التي استوفت شروط حاجة الأمة لمثلها ... حاجتها لمن لا تقول إلا كلمتها، وديدنها أن تعيش أحلامها دوماً وتنعكس على صفحاتها، وتظل المستلهمةً لقيمها والمهتديةً بتوقها فالمعبِّرة عن وجدانها ... وذلك كان ما جهدت واجتهدت والتزمت به الوطن طيلة هذه الأعوام من عمرها. أو وهى تراكم خلال هذه المسيرة الطويلة من العطاء طوبةً طوبةً بناء صرح هذا المنبر، الذي ظل يعلو ويعلو، متوازياً ومتساوياً في علوِّه مع مستمر التزامها العالي الهمة والراسخ بمهمة حملها لأمانة ما يتطلبه منها حرصها المعروف على خدمة وطنها وما يستوجبه منها حملها لهموم وقضايا الأمة وانسانها من محيطها إلى خليجها.
... وإذ هذه هى الوطن وما عُرفت به، أو ما شاءا لها أن تكونه مؤسساها الرائدان نصر وسليمان ابنا محمد الطائي، فهى بالضرورة لم تكن يوماً في حاجة لمن يُجنَّدون أو يتجنَّدون من اولئك الكتبة ... ولا حتى كان عليها أن تختار كُتَّابها، لأن كتابها هم من اختاروها ويختارونها لأنهم عثروا فيها على ضالتهم ... على منبرهم، الذي هو موئل للذود عن حياض أمة بكاملها وملاذ دافىء لأحلامها الشريدة، إذ مثَّلت صفحاتها ساحات نضال رحبة لأقلام معشر القابضين على جمر المراحل ومن ظل ديدنهم المنافحة للحفاظ على ثوابتها ومسلماتها ومستقبل أجيالها... منبر لكل اولئك الذين خرجوا على انحطاط المرحلة رافضين دناوة دونها حاملين فحسب هموم أمتهم معبرين عنها ...
بمناسبة مرور هذه الأعوام الأربعة والاربعين على تأسيس جريدة الوطن، "صوت عمان في الوطن العربي"، وبالتالي "صوت عمان في العالم"، تحية لكل قطرة من حبر وعرق بُذلت في سبيل مراكمة علو مثل هذا الصرح الإعلامي العربي العماني الملتزم بقضايا الوطن، والوطن الأكبر، ولكافة الزملاء والعاملين فيه.

عبداللطيف مهنا* كاتب فلسطيني