الإقبال الكبير من قبل أطفالنا وشبابنا الطلاب في مختلف محافظات سلطنة عمان على البرامج الصيفية بكافة أنشطتها يعكس الوعي الذي يتمتعون به حول أهمية الاستفادة من الإجازة الصيفية بما يعود عليهم بالنفع وإدراكهم لأهمية الوقت الذي لا يجب أن يضيع هباء فيما لا يفيد.. فقد استمتع الطلاب بما تقدمه البرامج الاجتماعية والفنية والثقافية والأدبية والإعلامية والرياضية والعلمية وغيرها من مناشط ساعدتهم على إشباع مواهبهم وتنمية مهاراتهم والاستمتاع بأوقاتهم والترفيه عن أنفسهم.
لا شك أن هذه الأنشطة والبرامج الصيفية لها تأثير كبير على النشء.. فهي ليست مجرد أداة ترفيهية بقدر ما هي وسيلة لغرس المفاهيم والثقافات المتعددة في نفوس الأبناء ورسم ملامح شخصياتهم في المستقبل.. فعلى سبيل المثال، يمكن من خلال البرامج الصيفية تعزيز الانتماء والولاء للوطن ولقائده المفدى وتعريفهم بما تمتلكه بلادهم من مُقوِّمات وما حققته من مكتسبات وإنجازات إلى جانب غرس ثقافة التعاون والعطاء والحرص على الصحة والحفاظ على البيئة وممارسة الرياضة، وغير ذلك مما ينعكس إيجابا على شخصية المتدرب وبالتالي المجتمع ككل.
كما أن لهذه البرامج أهمية كبرى؛ كونها وسيلة لاكتشاف المواهب الإبداعية لدى الطلاب، وبالتالي يمكن الاهتمام بها والعمل على تنميتها وصقلها ودعمها ورعايتها حتى تؤتي ثمارها الحلوة على الوطن والمواطن فيما بعد.. والملاحظ أن مناشط المراكز الصيفية قد شهدت تطورا والبرامج التي وضعتها تلك المراكز هادفة، وساعدت كثيرا في نمو الإبداع والابتكار وصقل مهارات طلاب وطالبات المدارس، سواء الأدبية أو الموسيقية أو الرياضية أو الفنية وغيرها.
قديما قالوا إن “التعليم من الصغر كالنقش على الحجر” لذلك يجب أن يتعلم الطفل منذ نعومة أظافره احترام قيمة الوقت وقضائه فيما يعود عليه وعلى مجتمعه بالنفع، بالإضافة إلى مبادئ الوطنية والانتماء والولاء ومكارم الأخلاق وغيرها من القِيَم العظيمة حتى ينشأ شابا نافعا لوطنه.. فالشباب قوة بشرية يجب الاستفادة منها وتطويرها بتنمية قدراتها الإبداعية حتى نحصل على جيل واعٍ عصري قادر على الابتكار.
إننا في حاجة لجعل الإجازة المدرسية مصدر فائدة ومتعة في نفس الوقت وفرصة للتقارب بين الأبناء وأولياء أمورهم.. ففترة الدراسة كانت بمثابة عزلة لهم عن المحيط الأسري، ولا يجب أن ندع وسائل التكنولوجيا الحديثة من هواتف ذكية وإنترنت ومواقع تواصل اجتماعي تفرقنا عن أبنائنا ونعيش في جزر منعزلة.. فيمضي كل فرد في الأسرة وقته مع نفسه في غرفته المغلقة يتحايل على الأيام حتى تمر انتظارا لعودة الدراسة من جديد وتعود الكرة مرة أخرى.
✱✱✱
عام هجري مضى وآخر جديد أتى وهو يحمل في طياته ذكرى عظيمة لحدث ضخم يكاد يكون الأعظم في تاريخ المسلمين، بل البشرية بأكملها.. وهي ذكرى الهجرة النبوية الشريفة التي تمثل مرحلة فارقة في حياة الدولة الإسلامية، وتحمل من المعاني التي ينبغي على المسلمين استحضارها كلما مرَّت عليهم الذكرى الغالية للاستفادة من فلسفتها وأخذ العبرة من دروسها، لا سيما وأن السيرة النبوية العطرة مليئة بالمواقف الصالحة لكل زمان ومكان.
إن الهجرة النبوية بمثابة سبيل الخلاص للأمة الإسلامية في ماضيها وحاضرها، فقد جاءت لتفرق بين الحق والباطل وتميز بين الخير والشر، وهذا ما يجب أن نستثمره في وقتنا الحالي ونتخذ من الحدث العظيم نورا يضيء لنا درب حياتنا فنهاجر الظلم ونتجه نحو العدل ونأخذ بالأسباب ونخلص العمل، ونتوكل على الله واثقين من أن العلي القدير يقف بجانب الحق، متيقنين بأن العاقبة دائما للمتقين، فمن يحفظ الله يحفظه، ومن يترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.
لقد تجلى في الهجرة النبوية تعظيم الإسلام لدور المرأة من خلال الدور الريادي الذي قامت به الأختان عائشة وأسماء رضي الله عنهما عندما كانتا نعم الناصر والمُعِين لأبيهما أبي بكر في أمر الهجرة فلم يفشيا سر الرحلة لأحد ولم يتوانيا في تجهيز الراحلة والطعام الذي كانت تحضره أسماء بنفسها لوالدها والرسول الكريم في الغار والمسافة الطويلة التي كانت تقطعها رغم حملها.
ولم يفت مستخلصو دروس الهجرة أن يستلهموا تعظيم الإسلام لدور الشباب في الرحلة المباركة، فما قام به علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ حين نام في فراش النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الهجرة، وما قام به عبد الله بن أبي بكر من نقل أخبار قريش للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر كل هذه الأفعال كانت بمثابة الأدوار الرئيسية في فريق العمل الناجح لأحداث الرحلة الفارقة.. وهذا ما يجب أن يستلهمه شبابنا اليوم من الهجرة النبوية الشريفة فيعملوا كفريق عمل واحد رجالا ونساء ويحرصوا على توظيف قدرات ومواهب وإمكانات هذا الفريق كل بما يناسب طبيعته كي يصلوا ببلادهم لبر الأمان.. فعلى الرغم من أن الرسول الكريم مؤيد بنصر الله، إلا أنه التزم طريق العمل الجماعي المشترك القائم على التعاون والحب والرحمة.
أما ما بعد الهجرة ووصول الرسول للمدينة المنورة فإن أقوى الدروس المستفادة هو تلك الوحدة التي يجب أن يتمسك بها المسلمون وذوبان العصبيات والتمسك برابط الأخوة حينما آخى الرسول الكريم بين الأنصار والمهاجرين، وإيثار الأنصار للمهاجرين على أنفسهم.
لا شك أن تطبيق دروس الهجرة في حياتنا سيعمل على بناء أمة إسلامية عالية الشأن، فعلى المسؤولين تنمية طاقات الشباب ودفعهم إلى الأمام واستغلال ما بداخلهم من طاقة عظيمة من شأنها أن تخرج لنا دعائم لبناء أمة إسلامية قوية.. كذلك علينا التعاون فيما بيننا نحن المسلمين والثبات أمام الأزمات، والتخلي عن روح العصبية التي قد تؤدي بنا إلى الانقسام.. كما على شبابنا أن يتذكر أن الصبر دائما مفتاح الفرج، وأن يكون على يقين تام بأن الله سبحانه وتعالى سيخرجنا إلى أفضل حال وتحقيق المستقبل المشرق والتنمية المستدامة المنشودة كما أخرج أمة رسوله الكريم من ظلام الجاهلية إلى نور الإسلام.


ناصر بن سالم اليحمدي
كاتب عماني