أبدت الصين ردا قويا تجاه تايوان، والمناطق الساخنة التي تشبهها كثيرة، تختفي تحت الرماد، أميركا وحدها تملك العبث بها في أي وقت، فهي تملك كل الخرائط والوثائق والحلول تستخدمها كيفما تشاء وقتما تشاء حسب مصالحها..

تشكِّل قضية تايوان القضية الرئيسية الأكثر إثارة للجدل بين الولايات المتحدة والصين، وهي تعد محور ملف رفع مستوى التوتر بينهما، وبانت أهميتها التي دفعت الرئيس الصيني شي جين بينج الخميس الماضي في اتصال هاتفي استمر لساعتين إلى تهديد نظيرة الأميركي جون بايدن بعدم اللعب بالنار قائلا حسب وكالة الأنباء الصينية الرسمية: “من أن أولئك الذين يلعبون بالنار سيهلكون بها” قاصدا عدم الاقتراب من اللعب في الجزيرة التي تتمتع بالحكم الذاتي، من خلال الإعلان بزيارة دبلوماسية تترجم الموقف الأميركي لهوية جزيرة تايوان, بعد أن أثيرت تصريحات عن احتمال قيام رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي بزيارة تايوان خلال جولة تقوم بها لبعض البلدان في آسيا (والتي حطت طائرتها بتايبه أمس الأول). والتهديد الصيني لم يكن الأول كما أنها لم تكن الزيارة الأولى لمسؤولين أميركيين إلى الجزيرة، إنما تأتي أهمية التصريحات المتبادلة لما يشهده العالم الآن من تطورات لحرب عالمية ثالثة بدأت اقتصاديا بين الصين وأميركا، وبلغت حدتها مع الحرب الأوروبية بين روسيا وأوكرانيا، وأثرت مباشرة على الحياة في معظم دول العالم اقتصاديا وسياسيا، وضجيجها يتضح مع السباق الجاري لتشكيل التحالفات الجديدة التي تتبلور عالميا بين مختلف دول العالم، لنعود إلى عصر الكتلة الغربية والكتلة الشرقية ولكن بتداخلات جغرافية مختلفة.
في الحادي عشر من ديسمبر العام الماضي 2021 هددت الصين بأنها ستهاجم أي قوات ترسلها الولايات المتحدة للدفاع عن تايوان، ونشرت حينها صحيفة “جلوبال تايمز” الصينية تقريرا قالت فيه إن بكين مستعدة لشن هجوم على أي قوات أميركية في حال نشب نزاع عسكري في المنطقة، وذلك في أعقاب تعهد مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، بأن واشنطن “لن تسمح أبدا” بحدوث غزو صيني في تايوان التي تتمتع بحكم ذاتي، كما زار العديد من الوزراء في الإدارات الأميركية السابقة جزيرة تايوان، وكان آخرها في أبريل الماضي بزيارة وفد من الكونجرس الأميركي تايوان ولم تصاحب هذه الزيارات تلك التهديدات أو التصريحات شديدة السخونة التي تضع العالم في مرحلة من الرعب ينذر بتمدد الحرب الدائرة الآن بشكل أسرع إلى مناطق أخرى من العالم.
منذ نهاية السبعينيات والموقف الدبلوماسي الأميركي من تايوان هو أنها جزء من الصين، إذًا ما الجديد في جس النبض من خلال برنامج زيارة بيلوسي لجزيرة تايوان، ورد الفعل القوي للرئيس الصيني على هذه الزيارة، الحقيقة الدامغة هي أن الحرب الروسية الأوكرانية أخذت في التطور بشكل أسرع، خصوصا بعد التأثيرات المباشرة والسريعة لآثارها المدمرة على معظم بلدان العالم، وخصوصا الاتحاد الأوروبي، الذي لم يحقق أي انتصار في دعمه لأوكرانيا، وأن الخطوات القادمة والتي بدأت في الشرق الأوسط وآسيا للمسؤولين الأميركيين والروس في نفس الوقت تنذر بأن الأيام القادمة حبلى بتطور أدوات الصراع، وعلى أميركا وحلفائها من ناحية وروسيا وحلفائها من ناحية أخرى توضيح مؤشر كل دولة مع من تقف وضد من ستكون، وهنا أميركا تلعب بكل أوراقها خصوصا الأوراق التي كانت تحتفظ بها في خزانتها احتسابا لمثل هذا اليوم، فتشير للصين بجزيرة تايوان عن طريق زيارات تقلق بكين، خصوصا وأنها تأتي من أهم شخصية أميركية بعد رئيس الولايات المتحدة، وهي رئيسة مجلس النواب، وهي إشارة إلى إمكانية العبث في المناطق الجيوسياسية أملا في وضع الصين على الحياد أو تأخير تحركها كداعم لروسيا، وبكين تعلم الهدف الأميركي من الإعلان عن تلك الزيارة وحصولها، فكان التهديد قويا.
أبدت الصين ردا قويا تجاه تايوان، والمناطق الساخنة التي تشبهها كثيرة، تختفي تحت الرماد، أميركا وحدها تملك العبث بها في أي وقت، فهي تملك كل الخرائط والوثائق والحلول تستخدمها كيفما تشاء وقتما تشاء حسب مصالحها ومجريات الحرب الدائرة.

جودة مرسي
[email protected]
من أسرة تحرير «الوطن»