تؤدِّي سلطنة عُمان منذ اندلاع الأزمة في الجمهورية اليمنية الشقيقة دورًا محوريًّا ومركزيًّا، يسعى إلى تهدئة الأوضاع وإيجاد حل سياسي وإنساني يصبُّ في الأساس في مصلحة الشَّعب اليمني الشقيق، واختارت منذ البداية أنْ تتمسك بثوابت سياستها الخارجية الراسخة، المتمسكة بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، والعمل على إيجاد صيغة توافقية تجمع الأطراف اليمنية كافَّة، وترفض الانحياز، وتتمسك بالحياد الإيجابي، وهو ما يمكِّنها دائمًا لأنْ تكون بوابة لعودة الهدوء، الذي ينعكس بالتأكيد على الشَّعب اليمني، الذي يعاني ولايات تلك الحرب في ظلِّ الأزمات العالمية المتتالية، لذا سعت سلطنة عُمان دائما إلى العمل على ترسيخ الهدنة لتكون مدخلًا لإيجاد حلٍّ سياسي، يتوافق عليه كافَّة الأطراف المتصارعة، وذلك بفضل النظرة المحترمة التي تحظى بها سلطنة عُمان في محيطها الإقليمي والعالمي، فطالما نُظر إلى مسقط كوسيط محترم وغير متحيز في الأوضاع الصعبة، واستطاعت بفضل دبلوماسيتها الهادئة بناء صورة ذهنية حَوْلَ العالم تتسم بقدرتها على أداء دَوْر الوسيط المحايد الذي يعمل في صَمت، ويمتلك حجمًا كبيرًا من التفاعلات الدبلوماسية، جعلته قادرًا على الحفاظ على علاقات وديَّة مع الجميع.
فمنذ اندلاع الأزمة اليمينة حرصت سلطنة عُمان بحكم الجوار، ودرايتها بتراكمات تلك الحرب، على العمل دُونَ ضجيج على إعلان وقف إطلاق للنار يلتزم به جميع الأطراف، وأدركت السَّلطنة أنَّ هذه الحرب، كعادة الحروب اليمنية، لن تخرج بمنتصر، وأنَّ الوقت كفيل بإقناع كافَّة الأطراف التي أعياها الصراع على ضرورة التوجُّه أولًا نَحْوَ وقف إطلاق نار شامل، يزيح الأعباء الكارثية للحرب عن الشَّعب اليمني، ويتيح مشاورات تتسم بالسياسة للوصول لحلٍّ توافقي، ونجحت سلطنة عُمان في تحقيق ذلك الهدف وأعلن اتفاق هدنة بجهود عُمانية، ولأول مرَّة في الأزمة اليمنية يلتزم الجميع بتلك الهدنة.
وحرصت السَّلطنة أثناء الوساطة السياسية على ضرورة استمرار الهدنة، مهما استمر وقت المفاوضات، لذا أسهمت الجهود العُمانية في تجديد الهدنة، حيث أعلن مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن “هانس جروندبرج” عن اتفاق الأطراف اليمنية على تمديد الهدنة بالشروط ذاتها المتفق عليها لمدة شهرين إضافيين تنتهي في الثاني من أكتوبر القادم، وقال جروندبرج في بيان: “إن التمديد للهدنة يأتي التزامًا من الأطراف بتكثيف المفاوضات للوصول إلى اتفاق هدنة موسع في أسرع وقت ممكن، وسوف يتيح المجال للوصول إلى اتفاق على آلية صرف فعالة لسداد رواتب موظفي الخدمة المدنية والمتقاعدين المدنيين بشكْلٍ منتظم وفتح الطرق في تعز ومحافظات أخرى وتسيير المزيد من الرحلات من وإلى مطار صنعاء وتوفير الوقود وانتظام تدفقه عبر موانئ (الحديدة)، وأكد مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن على ضرورة إحراز تقدم حول فتح الطرق في تعز وفي محافظات أخرى لتسهيل حرية حركة ملايين اليمنيين من نساء ورجال وأطفال وتسهيل تدفق السِّلع أيضًا.
واستحقَّت سلطنة عُمان إشادة فخامة الرئيس جو بايدن رئيس الولايات المتحدة الأميركية بالدَّور المركزي الذي قامت به السَّلطنة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ في تأمين تمديد الهدنة في اليمن لشهرين آخرين، حيث اعرب الرئيس الأميركي عن امتنانه لهذا الدَّور المِحوري للسَّلطنة من خلال الاتصالات المكثَّفة التي جرَتْ بَيْنَ معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية ونظيره الأميركي توني بلينكن والأطراف اليمنية، الأمْر الذي أسهم في التوصل لقرار التمديد، وسيعمل التمديد الجديد على بناء الثقة التي تراها سلطنة عُمان هي أساس الطريق نَحْوَ التوافق.