«.. فالصمت والتواطؤ الدولي أضحى لا يوجد كلمات في قواميس اللغات الحية وحتى الميتة للتعبير عنهما أو حتى رصدهما، وانتظار رد فعل أو مناشدة القوى العالمية برد فعل، ما هو إلا أضغاث أحلام لحالمين، ينتظرون الإنصاف من شريك في الإجرام..»

يعي كافة المتابعين للقضية الفلسطينية أن دولة الاحتلال الصهيوني تستغل بشكل بعيد عن الأخلاق دوما الأحداث العالمية، بهدف تسريع أهدافها التي باتت معلومة في فرض الأمر الواقع وسرقة المزيد من الأراضي الفلسطينية. فآلة القمع والإرهاب الإسرائيلية، وأذرعها من قطعان المستوطنين، نشطت مؤخرا بشكل فج، يسعى إلى استهداف كل ما هو فلسطيني بشرا كان أو حجرا، لمزيد من تغيير الواقع في الضفة والقدس المحتلتين، لكن التساؤل الذي يفرض نفسه الآن: ما الفعل الإجرامي الجديد الذي تسعى تلك الدولة القائمة بالاحتلال إلى تمريره، وتقوم بعدوان جديد على غزة، وصفته بـ(الاستباقي) من أجله، فنحن نعرف جميعا أنها تتخذ من قطاع غزة بأكمله رهينة، تمارس عدوانها الممنهج ضده، وتستخدم كافة الذرائع في الوقت الذي تريد، لتحقيق غاية ما.
فما الهدف الصهيوني الجديد الذي تمارس دولة الاحتلال الإسرائيلي هذا العدوان من أجله؟ وما القرار الذي سيعقب الهدنة الجديدة التي ستوافق عليها تلك الدولة المارقة بعد مناشدات دولية، كسيناريو مكرر، سبق وأن عشناه في السابق؟ فالجميع يدرك أن غزة بسكانها ليست غاية أو هدفا حقيقيا، لكن العدوان عليها دائما ما يسبق مخططا تدرك دولة الاحتلال الإسرائيلي أن له عواقب من الجانب الفلسطيني أو من لا يزال يملك القدرة على المقاومة الحقيقية بين أبناء فلسطين، فتسبق هذه الغاية الخبيثة بعدوان من ناحية يكشف التطور الذي تملكه الفصائل من تسليح، وثانيا يمرر قرارها الجديد، بعد الهدنة، وألا يحمل الجانب الفلسطيني مسؤولية انهيارها.. إنها لعبة صهيونية قديمة تتجدد كلما استدعت الحاجة، وكلما عزم هذا الكيان الغاصب على ارتكاب جريمة أخرى في الضفة أو القدس، ويضغط وقتها المتواطئون مع هذا الكيان الغاصب على أبناء فلسطين تحت زعم التهدئة، فكلنا ندرك أن غزة وسكانها ليسوا ضمن المخطط الحالي لأطماع الاحتلال، وأي استهداف لها أو لمدنييها أو لقادة فصائلها، ما هو إلا ذر للرماد في العيون له مطامع أخرى في ضفة والقدس.
وهذا ما يدركه جيدا المجتمع الدولي بصمته المريب وإداناته الهشة، التي لم يعد لها دور غير حماية الاحتلال الإسرائيلي وتمكينه من أطماعه، فالصمت والتواطؤ الدولي أضحى لا يوجد كلمات في قواميس اللغات الحية وحتى الميتة للتعبير عنهما أو حتى رصدهما، وانتظار رد فعل أو مناشدة القوى العالمية برد فعل، ما هو إلا أضغاث أحلام لحالمين، ينتظرون الإنصاف من شريك في الإجرام ومتواطئ عليه، فالعالم الذي صمت على خمس حروب عدوانية في الـ16 عاما الماضية، خلَّفت دمارا متكررا للبنى الأساسية، ولم تترك بيتا في القطاع إلا وسقط به شهيد، واستهدفت آلة الحرب الإسرائيلية فيهم النساء والأطفال، لن يحرك ساكنا اليوم، ولن يتجرأ على محاسبة مجرمي الحرب من دولة الاحتلال الإسرائيلي، لكنه سيمارس دوره المعهود في الحديث عن هدنة ووقف إطلاق نار، يحمي دولة الاحتلال عندما تفصح عن مرادها الحقيقي، ويستوعب الغضبة الفلسطينية.
إن تلك الدولة الغاصبة تدرك أن تحييد سلاح المقاومة قبيل اتخاذ القرارات المصيرية، يُعد من أولوياتها، لذا فقد صدقت للمرة الأولى عندما عبَّرت عن عدوانها بمصطلح (الاستباقي)، فدولة الاحتلال الإسرائيلي مارست كافة صنوف الاستفزاز وأبرزها استهداف قادة المقاومة، من أجل أن تستفز الفصائل وتنجر لحرب غير مستعدة لها، بدلا من انتظار الهدف الحقيقي، وتوجيه الضربات المؤلمة، ليسرع العالم لعقد هدنة، يكون أحد شروطها وقف تلك القرارات المزعومة، فمواجهة الاحتلال يجب أن تتم بأسلوب يدرك الغاية ويسعى إلى وقف ما يحيكه هذا الكيان من مؤامرات بشتَّى الطرق، فعدوان غزة ما هو إلا إرهاصات لتصرف عدواني جديد، يستهدف تقرير أمر واقع جديد في الشأن الفلسطيني.

علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك
[email protected]