«.. وهناك حدث آخر شهدته جولة بيلوسي الآسيوية التي قادتها أيضا إلى كوريا الجنوبية يتمثل في زيارتها للمنطقة منزوعة السلاح، الأمر الذي دفع الجارة الشمالية للتنديد معتبرا أن ذلك أحد مظاهر السياسة العدائية الأميركية وبمثابة صب الزيت على النار».

لم تتمخض الإجراءات الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة في آسيا والتي منها زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان الأسبوع الماضي ضمن جولة آسيوية إلا عن استدعاء توترات ظلت كامنة، لتتخذ هذه التوترات فور مغادرة بيلوسي شكل مناورات عسكرية تجريها الصين قرب تايوان وبما يثبت أن حل هذا الملف وملفات أخرى في منطقة المحيط لا يأتي بطرق صادمة.
وزيارة بيلوسي التي لم تستغرق سوى سويعات معدودة، ولم يكن لافتا فيها سوى رمزية هبوط الطائرة العسكرية الأميركية التي تقلها والوفد المرافق بتايبيه، حتى أن بيلوسي نفسها قالت الزيارة “لا تتعلق بتغيير الوضع القائم” في المنطقة.. ولكنها دفعت بالصين إلى الاستنفار وتنفيذ مناورات بالذخيرة الحية شاركت فيها مقاتلات ومروحيات وسفن في اقتربت إلى أقل من 20 كيلومترا من سواحل تايوان.
وبحسب وكالة “شينخوا” الصينية فإن بكين جنَّدت أكثر من 100 طائرة حربية وأكثر من عشر فرقاطات ومدمِّرات، شملت مقاتلة “جاي-20” التي لا ترصدها أنظمة الرادار، ومدمِّرة من طراز 055، واللتين تعدان درَّة تاج قواتها البحرية والجوية.
وأتاحت المناورات تحسين التنسيق بين الوحدات العسكرية كالقوات البرية والبحرية والجوية والصاروخية، إضافة إلى الدعم الاستراتيجي الموكل بالحرب الإلكترونية.
كما شملت المناورات مناطق بشرق تايوان تُعد ذات أهمية استراتيجية في إمداد القوات العسكرية للجزيرة، فيما تقول تايبيه إن المناورات كشفت جانبا عمليا من تدريب على حصار يعمل للحؤول دون دخول السفن والطائرات التجارية والحربية إلى تايوان أو مغادرتها، ومنع أي قوات أميركية متمركزة في المنطقة من إسناد الجانب التايواني.
وفي هذا الصدد يقول المحلل العسكري الصيني سونج جونجبينج إن للجيش الصيني “بطبيعة الحال القدرات لفرض حصار كهذا”, مضيفا وفق ما نقلت عنه وكالة الصحافة الفرنسية “رأينا خلال المناورات الراهنة أن لا قدرة للمقاتلات والسفن الحربية التايوانية على الإقلاع أو الإبحار من موانئها”.
وعلاوة على ذلك أطلق الجيش الصيني أكثر من عشرة صواريخ بالستية أصابت مناطق عدة في محيط تايوان، وحلَّق عدد منها في الأجواء فوق الجزيرة، وفق ما أفاد التلفزيون الرسمي الصيني الجمعة.
وهناك حدث آخر شهدته جولة بيلوسي الآسيوية التي قادتها أيضا إلى كوريا الجنوبية يتمثل في زيارتها للمنطقة منزوعة السلاح، الأمر الذي دفع الجارة الشمالية للتنديد معتبرا أن ذلك أحد مظاهر السياسة العدائية الأميركية وبمثابة “صب الزيت على النار”.
وإذا كانت السمة الماضية للتعامل الدبلوماسي مع ملفات منطقة آسيا والمحيط الهادئ تقوم على ترحيل القضايا، وعدم انتهاج أي تحركات صادمة والاكتفاء بالدعوات للحوار والحل السلمي, فإن أي تغيير في هذا النهج من قبل الولايات المتحدة ينبغي أن يقابله تعقل من دول المنطقة واليقين بأن ثوابت الجغرافيا والجوار أبقى من أية مظاهر تترتب عن زيارات وجولات مكوكية تستغرق أيام ويغادر القائمون بها.

* هيثم العايدي
كاتب صحفي مصري
[email protected]