إن المرحلة القادمة، وفي أفقها المنظور، حبلى بالتطورات السياسية، والمادية على الأرض كما يجري عمليًّا من عدوان على القطاع. ودولة الاحتلال الإسرائيلي لن تنجح في نهاية المطاف بفرض إرادتها على الشعب الفلسطيني..

المرحلة التي يَمُرُّ بها المشروع الوطني الفلسطيني، والقضية الفلسطينية عمومًا، مرحلة صعبة جدًّا، فهناك مُتغيرات يومية تحصل على الأرض، وآخرها العدوان الوحشي والبربري على قطاع غزة، واستهداف البشر والحجر، والشعب شبه الأعزل من قبل جيش الاحتلال بالسلاح المتطور.
ووفقًا للمعطيات المتوافرة، فإن العدوان الأخير على القطاع، يأتي في ظل احتدام الصراعات الحزبية داخل كيان دولة الاحتلال الإسرائيلي، والتي شبهها مُعلق “إسرائيلي” بواقع “طنجرة الضغط” التي تفور باتجاه الانفجار من الداخل نحو الخارج. وهذا هو واقع الأحزاب “الإسرائيلية” وصراعاتها على أبواب الانتخابات التشريعية للكنيست، لذلك جاء العدوان على قطاع غزة، وفي جانبٍ منه، لتصدير الأزمات الداخلية في “إسرائيل”.
إن الأولوية الراهنة تتعلق بالاستعداد المطلوب لمواجهة المرحلة فلسطينيًّا، وما تحمله من سخونة عالية. والأولوية تعني تصعيد وتطوير وسائل الكفاح الفلسطيني بكل الأشكال المُتعددة والمُمكنة، والانتباه لضرورة ترتيب البيت الفلسطينية الداخلي. فالوحدة الوطنية، ضرورة لا غنى عنها، وشرط لازم (وغير كافٍ في الوقت نفسه) لمواجهة الأوضاع الضاغطة على الفلسطينيين في الوطن والشتات. فالشرط الكافي يفترض على كل القوى، التخلص من الإفراط في العصبيات التنظيمية لصالح البرنامج الوطني التوحيدي تحت راية الإجماع الوطني.
فالوحدة الوطنية، ووحدة الإرادة في البيت الفلسطيني، مسألة على جانب كبير من الأهمية في هذه المرحلة بالذات، جنبًا إلى جنب مع الحراك الشعبي السلمي الديمقراطي بالأنماط والأساليب المتوافرة على الأرض، والحراك على المستوى الدبلوماسي الأممي، خصوصًا وأن العدوان على قطاع غزة، يأتي في ظل محاولات الاحتلال المستمرة لفرض الواقع على الأرض تنفيذًا لسياسة الضم في منطقة القدس وغيرها، من خلال مصادرة الأراضي وهدم البيوت والمنشآت، وإطلاق العنان للمستوطنين الاستعماريين لوضع بؤر استعمارية على رؤوس الجبال والتلال، وتوسيع البناء الاستعماري الاستيطاني بالتزامن مع الاقتحامات اليومية والاعتقالات الجماعية التي تجري بشكلٍ يومي واحتجاز جثامين الشهداء وغير ذلك من فرض سياسات العدوان والجرائم المتصاعدة، وسياسة العقاب والتنكيل الجماعي.
إن وقف قطار “العدوان الإسرائيلي” الزاحف على قطاع غزة وغيره من الأرض المحتلة في القدس وعموم الضفة الغربية، وحتى بالداخل المحتل عام 1948، وإحداث تغيير جوهري في المعطيات الأساسية القائمة على الأرض لصالح العملية الوطنية الفلسطينية، يتطلب استحضار القدرة الكامنة الفلسطينية، وأوراق القوة الفلسطينية المتوافرة، من خلال:
أولًا: تفعيل الكفاح الفدائي المسلح حيث أمكن (ونقول حيث أمكن) انطلاقًا من مناطق القطاع باتجاه الداخل المحتل عام 1948 في ظل استخدام العنف المفرط من قبل جيش الاحتلال وأجهزته القمعية والفاشية، ضد الشعب العربي الفلسطيني. وقد بان واضحًا أن إرادة القوى الفلسطينية توحَّدت خلال الأيام الماضية، في التصدي للعدوان “الإسرائيلي” الأخير عن القطاع، وإمطار المستعمرات بالرد المناسب من قبل مجموعات فدائية فلسطينية تابعة لكتائب الأقصى وحركة فتح، والجبهة الشعبية (كتائب الشهيد أبو علي مصطفى)، وكتائب القسام، إضافة لسرايا القدس التابعة لحركة الجهاد، وألوية الناصر صلاح الدين...إلخ.
ثانيًا: تصعيد الكفاح السلمي الديمقراطي، إلى جانب باقي الأنماط، وبالوسائل المتوافرة، في وجه الاحتلال، وعصابات المستوطنين المسلحين، ومجموعاتهم التي تعيث فسادًا في مناطق مختلفة من الضفة الغربية، وقد وصلت أعداد هؤلاء المستوطنين نحو 600 ألف مستوطن، يُمثِّلون أعتى مجموعات التطرف والإرهاب في دولة الاحتلال.
وثالثًا: رفع وتيرة فعاليات المقاومة الشعبية على الأرض ضد الاستيطان الاستعماري والحواجز العسكرية والتصدي لمحاولات إقامة البؤر الاستيطانية من قبل المستعمرين على أراضي المواطنين في مختلف مناطق الضفة الغربية، خصوصًا على تخوم القدس وجبال نابلس وصولًا للخليل. ومشاركة الجميع في هذه الفعاليات.
ورابعًا: وبالتوازي مع العمل على الأرض، تأتي ضرورة وضع آليات عملية للضغط على الاحتلال لوقف عدوانه وجرائمه ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة وعموم الأرض المحتلة، وخصوصًا فرض عقوبات ومقاطعته والسعي لمحاكمة جنرالاته أمام المحاكم الدولية، على هذه الجرائم لوضع حدٍّ لها، وتسريع آليات عمل محكمة لاهاي الدولية للنظر بجرائم الاحتلال، وبالتعاون مع الهيئات الدولية والحلفاء والأصدقاء في العالم، في ظل استمرار سياسة الاستهتار من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي بكل القوانين والشرعيات الدولية. وبالفعل فإن حالة من الهلع تسيطر على مفاصل دولة الاحتلال خشية من تفعيل مُرتقب لمحكمة الجنايات الدولية.
وخامسًا: التوجُّه نحو المجتمع الدولي، وهيئاته المسؤولة، للضغط على دولة الاحتلال الإسرائيلي، تلك الهيئات الأممية التي ترى بـ”حل الدولتين” حلًّا وحيدًا ومقبولًا ويستند إلى الشرعية الأممية والقانون الدولي، وهو ما يضمن قيام دولة فلسطينية فوق كامل الأرض المحتلة عام 1967، وحق اللاجئين الفلسطينيين بالعودة وفق القرار الأممي 194 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 11/12/1948. إلى أرض وطنهم وأملاكهم في مناطق العام 1948.
وهنا تأتي أهمية رفض التعايش مع الواقع الاستعماري الاستيطاني الكولونيالي التهويدي الصهيوني لمناطق القدس وعموم الضفة الغربية. وعليه، نقول: إن المرحلة القادمة، وفي أفقها المنظور، حبلى بالتطورات السياسية، والمادية على الأرض كما يجري عمليًّا من عدوان على القطاع. ودولة الاحتلال الإسرائيلي لن تنجح في نهاية المطاف بفرض إرادتها على الشعب الفلسطيني، ولا في تغيير الحقائق الجغرافية والديموغرافية والتاريخية من خلال التهويد، مهما بلغت سطوتها أو قوة الدعم الأميركي المُقدم لها.

إبراهيم بدوي
[email protected]