من جهة أخرى أرى أن هنالك مصدر قلق آخر يجب علينا النظر إليه بشكل أدق، ألا وهو انتشار المعلومات الخاطئة على منصَّات التواصل أو برامجها مثل اليوتيوب. فالطفل الصغير بكل تأكيد ليس لديه فكرة عما هو حقيقي وما هو مزيف..

بشكل لافت وأينما ذهبت أو نظرت من حولك، ترى أن معظم الأطفال والمراهقين يقضون وقتا أكثر من أي وقت مضى في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ارتفع عدد الساعات التي يقضونها على الإنترنت بشكْلٍ حادٍّ خلال الفترة الماضية، خصوصًا في موجة الجائحة سابقا!
وربما تكون هذه الزيادات على الأرجح انعكاسا للصعوبات التي عانت منها الأُسر في المدرسة والتفاعل الاجتماعي طوال جائحة كورونا. لكن حقيقة، من الأمور التي تثير القلق هو حدوث طفرة في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بين الأطفال أو المراهقين على الرغم من أن هذه المنصَّات تتطلب أن يكون المستخدمون ثلاثة عشر عاما على الأقل بسبب قانون يحظر الشركات من جمع البيانات من الأطفال.
من ناحية أخرى، قد لا يكون البعض متفاجئا من ذلك، خصوصا وأن هكذا طفرة ظهرت أثناء الوباء، ومن هناك لجأ الأطفال إلى الشاشات للترفيه والتواصل مع الأصدقاء، حيث لم يكن لدى العديد منهم مدرسة أو أنشطة شخصية. وربما ما يقلقني عند هذه النقطة هو العدد الهائل من الأطفال الذين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي عندما يكونون في أعمارهم تلك، هو المخيف ـ إنْ صحَّ لي القول ـ على المدى البعيد، لا سيما وأن تطبيقات الوسائط الاجتماعية هذه ليست مصممة في الأساس للأطفال!
صحيح أن الزيادة في استخدام المنصَّات لم تكن بالضرورة سببا للقلق في حدِّ ذاتها. على سبيل المثال، عندما استخدم الأطفال المنصَّات للتواصل مع الأصدقاء أثناء الجائحة، كان ذلك على الأرجح شيئا جيدا. لكن ما أودُّ أن أوضحه أن الاستخدام لم يكن بشكل أساسي للبقاء على اتصال مع أقرانهم. لذلك من واجب الآباء مراعاة أن معظم المراهقين، على سبيل المثال، يقضون ساعات أكثر في مشاهدة مقاطع الفيديو، وربما ساعات أخرى في اللعب، وبالتالي دقائق معدودة فقط في اليوم كانوا يتحدثون فيها بالفيديو مع الأصدقاء!
وهنا حقيقة من المهم مراعاة ما لا يفعله الأطفال عندما يقضون الكثير من الوقت على الشاشات، وتلك المنصَّات. وجزما يجب أن نقلق إذا كان يحل محل الأنشطة، مثل النوم، ووقت الأُسرة، والقراءة، والأعمال المنزلية ـ أشياء أخرى إيجابية للأطفال ـ. ولذلك هذا بالتأكيد مصدر قلق حقيقي يجب النظر إليه.
وبشكل ما، أرى أنه من المقلق أن تلاحظ الأطفال دون سن ثلاثة عشر عاما يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي، حيث غالبا ما تتضمن منصَّات الوسائط الاجتماعية محتوى رسوميا مثلا، لا يكون الأطفال الصغار على استعداد لرؤيته. بل ويتأثرون بالمواد غير الأخلاقية أو المنشورات التي تروِّج للأكل المضطرب ـ على سبيل المثال ـ!
من جهة أخرى أرى أن هنالك مصدر قلق آخر يجب علينا النظر إليه بشكل أدق، ألا وهو انتشار المعلومات الخاطئة على منصَّات التواصل أو برامجها مثل اليوتيوب. فالطفل الصغير بكل تأكيد ليس لديه فكرة عما هو حقيقي وما هو مزيف، لذا يمكنهم أن يسقطوا في حفرة المعلومات المضللة هذه ويجدون عالما مربكا آخر!
من هنا قد يرغب الآباء الآن الجلوس مع أطفالهم وإنشاء اتفاقية تقنية ـ إنْ صحَّ لي التعبير ـ مع تحديد التفاصيل المختلفة بما في ذلك متى وأين يمكن للأطفال استخدام المنصَّات والبرامج؟ وإلى متى؟ وربما الأهم من ذلك، يجب على الآباء إجراء محادثات منتظمة مع أطفالهم حول وسائل التواصل الاجتماعي. ولعلِّي هنا أرى أنه يجب على الآباء أيضًا توضيح أهمية الخصوصية وأن ما يشاركه الأطفال سينعكس عليهم وعلى سمعتهم.
ختاما، يجب على الآباء محاولة استخدام منصَّات التواصل مع أطفالهم. فعندما يستخدم الكبار المنصَّات مع أطفالهم، يكون لديهم فرصة لمشاركة قِيَمهم وتوقعاتهم. كما يجب على الآباء التواصل مع أبنائهم أيضًا، وطرح الأسئلة عليهم، مع محاولة عدم إصدار الأحكام عليهم. وهكذا مثلما تحافظون وتحرصون عليهم وأنتم في الحديقة، عليكم أن تحموهم وهم يسبحون في منصَّات التواصل الاجتماعي!

د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
[email protected]