علمني هذا المتقاعد أن الموظفين أربعة أنواع، وعلينا أن نتعامل مع كل نوع من هؤلاء الموظفين بطريقة مناسبة لهم، وأن نعامل كل نوع من الموظفين بالطريقة التي تناسبهم، فقديما قال العرب خاطب الناس على قدر عقولهم.

لطالما جلست في حضرة هذا المدير المتقاعد أسيرة أمام هيبته التي يستمدها من علمه وحكمته وخبرته. هذا المدير قد قاد الموظفين لتحقيق أرباح طائلة للمؤسسة التي يديرها، وكم قادهم لاجتياز الصعاب خلال فترة الأزمات المالية التي تلمُّ بالعالم، ولعلَّ قيادة الموظفين من المهام التي تتطلب حكمة وبُعد نظر وفراسة في معرفة الناس وطبائعهم.
لطالما جلست أسيرة أمام هذا القائدة، مستجمعة حواسي، وقدراتي لأنهل من علمه ما استطعت، علما لن أجده قط في كتاب، أستعين به في مسيرة حياتي العملية، فأنا على يقين بأن من كان أستاذه كتابه فخطؤه أكثر من صوابه، فعندما تجالس أصحاب الخبرة، تجدهم يعطونك من خبرتهم ما تحتاجه أنت، فبحكمتهم وبصيرتهم يعرفون حاجتك.
علمني هذا المتقاعد أن الموظفين أربعة أنواع، وعلينا أن نتعامل مع كل نوع من هؤلاء الموظفين بطريقة مناسبة لهم، وأن نعامل كل نوع من الموظفين بالطريقة التي تناسبهم، فقديما قال العرب خاطب الناس على قدر عقولهم.
فالنوع الأول هو ذاك الموظف الذي لديه العلم والمعرفة والإلمام بمجال اختصاصه والإتقان في مهارات عمله، فيعرف الإجراء الصحيح، ويعرف كيف ينفذ عمله، وكيف يتعامل مع الصعوبات في مجال اختصاصه. لكنه لا يجتهد في عمله، فهو كسول متراخٍ فلا ينتح ولا ينجز، هو يكثر التغيب والتأخير عن العمل، ولا يؤدي عمله في وقته تراخيه، هو متمرد يرفض ما يسند له من مهام، ويتهرب من تحمل المسؤولية ويتملص من المهام التي تسند إليه، فهذا النوع من الموظفين يمكننا الاستفادة منه، بشرط إعادة صياغة شخصيته، فلا بُدَّ من أن نزرع لديه قِيمًا ومبادئ ليؤمن بالدَّور الذي يقوم به، وبأهميته، وبأنه يقدم خدمة للناس، ونعزز لديه الإحساس بالمسؤولية وبأهميته في العمل، وأن يدرك بأن تكاسله قد يضر بالآخرين ليتعزز لديه الشعور بالمسؤولية. ولا بُدَّ من إخضاعه لبرامج تدريبية ترفع دافع الإنجاز لديه، وترفع لديه الشعور بالمسؤولية وتطوِّر من بناء شخصيته. وبالطبع لا بُدَّ من إلزامه بالقوانين المتعلقة بإدارة الموارد البشرية والتي تضبط أداء الموظف، ولا بُدَّ من محاسبته ومعاقبته على التقصير فمن أمن العقوبة أساء الأدب. فإن لم تثمر هذه الجهود، فمعنى هذا أن بين فريق العمل الذي تشرفين عليه موظفا قد يثير التذمر بين باقي أفراد الفريق ويعديهم بداء الكسل والتخاذل، فإن لم تثمر فيه برامج التدريب وأساليب التحفيز فعليك بآخر الدواء وهو الكي بالاستغناء عنه وإقصائه عن فريق العمل.
والنوع الثاني: هو من هو يعمل بجد واجتهاد وإخلاص، لكنه ليس لديه الكفاءة والعلم والمعرفة الصحيحة في مجال عمله، وهذا النوع من الموظفين يسهل قيادته ويمكن الاستفادة منه والاعتماد عليه، فكل ما يحتاجه أن يخضع لدورات تدريبية، وخير وسيلة تدريب هي مجالسته لزملائه الموظفين الذين هم أكثر منه خبرة، ليقدموا له الشرح والتوضيح، ويتم التركيز على إخضاعه لدورات تدريبية متخصصة. فمثل هذا الموظف يجب إحاطته بالرعاية والتقدير، فاستقطبيه واستثمريه.
والنوع الثالث: فهو الموظف المستهتر في عمله غير المنضبط، فذاك الموظف يكلفك الكثير فأنت بحاجة لتحفيزه ولرفع الدافعية لديه للعمل، وتحتاج لبذل الكلفة والجهد لتدريبه وتعليمه، فهذا الموظف يكلف المؤسسة أموالا وجهد ووقتا مقابل تدريبه ورفع دافعيته، فمن المجدي أن تستغني عنه وتستبدله بموظف يسهل استثماره والاستفادة منه.
أما النوع الرابع: فهو الموظف الذي يمتلك الخبرة والمهارات والإمكانات والقدرة على الإبداع في عمله، وفي الوقت نفسه هو منضبط ومجتهد ومخلص في عمله، فهو ينجز عمله بكفاءة، فهذا النوع من الموظفين عليك أن تحافظ عليه؛ لأنه يقتنص من قبل المؤسسات المختلفة وتقدم له العروض المغرية، فعليك أن تقدم له المحفزات بأنواعها سواء رفع الراتب، أو منحة التقدير والثقة، والاعتماد عليه وترشيحه للتعامل مع كبار المسؤولين، فعليك أن تتحدى نفسك كقائد لتنجح في إيجاد بيئة جاذبة لمثل هؤلاء الموظفين، فأنت إن نجحت في استقطاب هذا النوع من الموظفين حوَّلت مؤسستك لبيت خبرة تستفيد منها باقي المؤسسات. لتصبح مؤسستك علما على علم.
فقلت: نعم يا عزيزي تلك نظرة تجعل القائد يضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ويتعامل مع كل موظف بالطريقة المناسبة له، ولكن ألا ترى أن في ذلك تميزا وتفرقة في المعاملة بين الموظفين، فقد تثير مشاعر الغيرة والغضب بين الموظفين مما يسبب التمرد وإيجاد بيئة عمل غير مريحة.
نظر لي من أسفل نظارته الصغيرة نظرة دهشة قائلا، لا بُدَّ من الوضوح والشفافية في تعاملك مع الموظفين، فاجعلي أسلوب المعاملة هذه قاعدة في العمل يعرفها الجميع، ولا تتعاملي معها بسرية، بل أعلنيها بين فريق العمل وثقي بأن الوضوح في منهجية التعامل مع الموظفين سيدفع الموظفين للجدِّ والاجتهاد ليكونوا من النوع الرابع، وهو الذي لديه الخبرة والعلم والمعرفة، وفي الوقت نفسه مخلص ومجتهد في عمله، وسيحذرون من أن يكونوا من النوع الثالث بأن يكونوا بلا علم ولا معرفة ولا اجتهاد ولا إخلاص لأنهم سيكونون على يقين بأن مصيرهم الخروج من المؤسسة ومن فريق العمل، وتذكري دائما أن من أمن العقوبة أساء الأدب، ومن جد واجتهد ولم يكافأ فستنطفئ عين همته، وتذكري أنه من السهل تدريب الموظف على مهارات العمل، ولكن من الصعب إكسابهم القِيَم والأخلاقيات كالإخلاص في العمل وتحمل المسؤولية فتلك صفات ينشأ عليها الإنسان منذ الصغر.
وتذكري أن ما يشجع الإنسان على العمل هو مبدأ الثواب والعقاب، تلك فلسفة في القيادة عليك أن تؤمني بها ألا ترين أن الله جعل الجنة والنار هما ثوابا وعقابا للناس على أفعالهم، فالله تعالى يميز في المعاملة بين من أحسن عملا ومن أساء. فعلى القادة أن يتعلموا ويستنيروا بحكمته سبحانه وتعالى... ودمتم أبناء قومي سالمين.

نجوى عبداللطيف جناحي
كاتبة وباحثة اجتماعية بحرينية
متخصصة في التطوع والوقف الخيري
[email protected]
Najwa.janahi@