لا أدري إلى متى يستمر هذا المسلسل العبثي من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وسقوط الضحايا الأبرياء من الفلسطينيين، وتدخل بعض الأطراف العربية والإقليمية لوقف العدوان و«التهدئة» فقط، دون الوصول لحل عادل للقضية الأساسية..

بدون مقدمات أو مبررات، استأنفت إسرائيل عدوانها الغاشم على قطاع غزة، بعد عام فقط من عدوانها الأخير في مايو 2021م، والذي لم تزل آثاره متراكمة في شوارع غزة حتى الآن، وإن كان المختصون في الشأن الإسرائيلي توقعوا العدوان، ووصفوه بأنه يأتي في سياق أزمة الحكم في إسرائيل، والتنافس في الانتخابات القادمة للكنيست وهي الانتخابات الخامسة في خلال أربع سنوات، وتدفع غزة ثمن هذا الصراع لتحقيق انتصارات وهمية تسبق حسم صناديق الانتخابات الإسرائيلية، من دماء أبنائها وبنيتها الأساسية ومقدرات شعبها المغلوب على أمره.
وربما هذا يفسر مسارعة بنيامين نتنياهو بتأييد ومساندة العدوان والتحريض عليه قبل أن يبدأ، طمعا منه في أن يجد موطئ قدم في الحكومة القادمة، ولكن هيهات .. لن يختلف هذا العدوان عن سابقيه، وستظل الصورة ضبابية، وستبقى غزة رقما صعبا أمام آلة الحرب الإسرائيلية، في ظل بسالة المقاومة الفلسطينية، وصمود الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال والعدوان مهما كان حجم الخسائر والتضحيات.
وسيخيب ظن القادة الإسرائيليين الذين خططوا مسبقا لهذا العدوان غير المبرر، وحددوا أهدافه التي لم تتحقق حتى الآن، وما زالت صواريخ المقاومة الفلسطينية تنطلق من القطاع وتبث الرعب في قلوب المستوطنين، بل اقترب بعضها من تل أبيب، وشل أوجه الحياة فيها، وتسبب في إلغاء مباريات وفعاليات عالمية كان مخططا لإقامتها في إسرائيل خلال هذا الصيف. إسرائيل تخشى من اتساع نطاق الحرب، بعد التحريض الإسرائيلي على المقاومة في الجنوب اللبناني، وادعاءاتها المتكررة بأنها تجهز لإطلاق صواريخ على بلدات الجليل الأعلى، أو محاولة استهداف منصات “ كاريش” لاستخراج الغاز.
وفشلت إسرائيل في تحقيق أهدافها في سائر حروبها على غزة، وخسرت كافة المعارك التي خاضتها مع المقاومة الفلسطينية، وكان آخرها عملية “حارس الأسوار” في الصيف الماضي، التي انتهت كما بدأت ولم تحسم شيئا على الأرض، وبقيت دائرة التوتر والصراع على حالها ملتهبة ومرشحة للاتساع.
فقادة إسرائيل يعرفون كيف يشعلون الحرب على غزة، ويسوقون حججا وهمية لإطلاقها، لكنهم لا يعرفون كيف ومتى تنتهي، لذلك تبقى العمليات العسكرية وتأثيراتها على المجتمع الإسرائيلي والساحة السياسية والأحزاب معضلة كبيرة، فهي بدلا من تحقيق الأمن وجلب الاستقرار لإسرائيل، تنشر الخوف وتبث الرعب في قلوب الإسرائيليين، الذين التزموا منازلهم وأعدوا المخابئ، خشية من إطلاق الصواريخ طويلة المدى من غزة، أو تنفيذ المقاومة الفلسطينية عمليات نوعية داخل تل أبيب، أوتستهدف التجمعات السكانية الكبرى في العمق الإسرائيلي، وسيبقى الانتصار الذي يبحث عنه جانتس وليبيد بعيد المنال، وربما دفعا أثمانا باهظة في الانتخابات المقبلة.
لا أدري إلى متى يستمر هذا المسلسل العبثي من الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة، وسقوط الضحايا الأبرياء من الفلسطينيين، وتدخل بعض الأطراف العربية والإقليمية لوقف العدوان و”التهدئة” فقط، دون الوصول لحل عادل للقضية الأساسية، وهي الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، وسط حالة من التجاهل والصمت الدولي، ازدادت هذه المرة جراء انشغال العالم بأزماته المحلية والإقليمية بسبب الحرب الأوكرانية، وزيارة بيلوسي لتايوان.
حتى إننا لم نر تحركا أو اجتماعا لمجلس الأمن الدولي، يحاول من خلاله وقف العدوان، وتقديم العون لأهالي غزة المكلومين، ويتكرر الحديث عقب كل عدوان، عن ضرورة تحقيق المصالحة الفلسطينية وإعادة اللحمة الوطنية الفلسطينية، التي تتخذها إسرائيل ذريعة لعدوانها، واستمرار تملصها من التزاماتها الدولية، ورفض الجلوس على مائدة التفاوض مع الفلسطينيين، للوصول لحل عادل ودائم يضمن إقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو 1967م.

محمد عبد الصادق
[email protected]
كاتب صحفي مصري