بالرغم من أنَّ العقود الأخيرة حوَّلت قِطاع السياحة من مجرَّد قِطاع خدمة إلى صناعة كبرى تَدُور في فلكها العديد من القِطاعات الأخرى وتتقاطع معها، ورغم أنَّ المُقوِّمات السياحية والمُنتجات شديدة الثَّراء والتنوُّع، ولها تأثير على عملية الجذب للسائحين في هذه الدولة أو تلك، إلَّا أنَّ الخدمة الفندقية ظلَّت وستظلُّ هي جوهر العملية السياحية التي تحصد ولاء ورضا العميل. وبِدُونِ خدمة فندقية ذات جودة عالية، تصبح صناعة السياحة في مهبِّ الريح ولا تُلبِّي أهدافها، ولا تُحقِّق النتائج المرجوَّة منها، فالجودة تُعدُّ مقياسًا للدرجة التي يرقى إليها مستوى الخدمة المقدَّمة للعملاء، وتقديم خدمة ذات جودة متميِّزة يعني تطابق مستوى الجودة الفعلي مع توقُّعات النزيل ويُلبِّي احتياجاته، ولقد ازدادت أهميَّة جودة الخدمة كأساس لتحقيق التميُّز، وبالتالي أصبح مستوى جودة أداء الخدمة أحَدَ الأسلحة التنافسية لبناء سمعة طيِّبة، تؤهل الدول على الدخول في المنافسة الشرسة التي تشهدها سوق السياحة على مستوى العالم.
وتُمثِّل جودة الخدمات مدخلًا ووسيلة تسعى من خلالها الجهة المسؤولة لبناء علاقة طيِّبة مع زبائنها، وبالتالي فإنَّ سرَّ نجاح أيِّ صناعة سياحية في مختلف دوَل العالم هو الاهتمام بهذا الجانب بدرجة عالية ليكون مُقدِّمة ومفتاحًا أساسيًّا لباقي المناحي، التي تحتاج الاهتمام أيضًا مع تنوُّع المُنتجات السياحية وتعدُّد مشاربها وألوانها وأشكالها. ويُعدُّ اختيار أماكن وجودة المنشآت الفندقية لتواكب الأماكن السياحية الموجودة فيها أوَّل خطوة لتحقيق مستوى عالٍ من الجودة في تقديم الخدمات.
ويُنظر إلى تحديث ضوابط إقامة المنشآت الفندقية التي استُحدِثت في نوفمبر 2021م من قِبل وزارة التراث والسياحة إحدى الخطوات التنظيمية بهدف استمرار المراجعة والتقييم لنوعية المنشآت الفندقية القائمة، وتوجيه وتمكين التنمية السياحية في مختلف المحافظات وفقًا لاحتياجاتها الفعلية، وتحقيقًا للتوازن في نوعية المنشآت الفندقية المتوافرة للنزلاء.
ويهدف التحديث الجديد في ضوابط إقامة المنشآت الفندقية ـ بحسب الوزارة ـ إلى رفع مستوى الجودة لإحداث نقْلة نوعيَّة في جودة وكفاءة القِطاع الفندقي وتقديم خيارات إقامة تتناسب مع متطلبات المواطنين والمقيمين والسياح وزيادة عدد المنشآت النوعية التي قد تسهم في توفير فُرص عمل للمواطنين ورفع مساهمة القِطاع في الناتج القومي الإجمالي، الذي أضحى أهمَّ القِطاعات الاقتصادية في العالم أجمع، لذا تسعى رؤية “عُمان 2040” والخطط والبرامج الحكومية العُمانية، لتوفير كافَّة السُّبل للنُّهوض بهذا القِطاع الحيَوي، الذي أصبح أحَدَ المفاتيح المُهمَّة، لإحداث التنويع الاقتصادي المأمول، ورفد الاقتصاد الوطني، بمصدر مُهمٍّ وحيَوي في توفير العملة الأجنبية، بالإضافة إلى دَوْره الحيَوي في تحقيق التنمية الشاملة المستدامة في المحافظات السياحية، والتي سيُشكِّل النُّهوض بقِطاع السياحة بها فُرصة مواتية للسكَّان المحلِّيين للاستفادة من الفُرص الاقتصادية التي توفرها تلك الصناعة المُهمَّة لروَّاد الأعمال.
لقد شهدت سلطنة عُمان نقلة جيِّدة في الفترات الأخيرة، وأوجدت منتجات فندقية متنوِّعة، تجاوز المستهدف المحدَّد من قِبل الاستراتيجية العُمانية للسياحة من حيث عدد الغرف الفندقية في البلاد، حيث بلغ إجمالي عدد الغرف (29) ألفًا و(684) غرفة بنهاية يونيو 2022م في مختلف محافظات سلطنة عُمان، بينما كان العدد المستهدف حتى عام 2025م وفق الاستراتيجية (26) ألفًا و(314) غرفة، وهو ما يَجِبُ أنْ يُبنى عليه عَبْرَ تحديث ضوابط إقامة المنشآت الفندقية. ويبقى الحضور الدَّائم من قِبل الجهات المعنيَّة وفي مُقدِّمتها وزارة التراث والسياحة من أجْلِ التنظيم لقِطاع السياحة والتطوير ورفع مستوى جودة الخدمات، وعدم المغالاة في الأسعار ومراعاة أنْ تَكُونَ في متناول الجميع، والأخذ في الحسبان بانطباعات السيَّاح والزائرين وآرائهم وشكاواهم والعمل على ترجمتها وتذليلها أساس النجاح الحقيقي المنشود لقِطاع السياحة.