هدنة جديدة بدأ سريانها مؤخرًا في قِطاع غزَّة بجهود مصرية، دُونَ أنْ يعرف أحد السَّبب (الاستباقي)، الذي من أجْلِه شنَّت دولة الاحتلال الإسرائيلي عدوانها الغاشم الإرهابي، الذي خلَّف عشرات الشهداء الفلسطينيين ومئات الجرحى، بينهم كالعادة أطفال ونساء وشباب، لم يرتكبوا بالتأكيد ما يستحقون عليه هذه النهاية على يد هذا العدوِّ الغاشم، الذي يواصل ارتكاب جرائمه، دُونَ رادع من ضمير، أو قوانين دولية تحاسبه، أو مُجتمع دولي يتخذ موقفًا يداري به تواطؤه مع هذه الدولة الغاصبة، بعيدًا عن البيانات التي تساوي بَيْنَ الضحيَّة والمُجْرم في الغالب، أو التنديد والشَّجب على أقصى تقدير، دُونَ اضطلاع المُجتمع الدولي بمسؤولياته، لِيكُونَ الرَّدُّ الإسرائيلي الممنهج بارتكاب جريمة جديدة في مدينة نابلس في الضفَّة الغربية المحتلَّة، خلَّفت ثلاثة شهداء، واستهداف فتى استشهد في مدينة الخليل، ليضاف هؤلاء الشهداء من أبناء فلسطين إلى قائمة طويلة من ضحايا دولة القمع والإرهاب الإسرائيلي، التي باتت ترتكب جرائمها ضدَّ كُلِّ ما هو فلسطيني بَشرًا كان أو حجرًا.
ولعلَّ ما يشجِّع هذا الكيان الغاصب على الاستمرار في جرائمه هو حالة الصَّمت والخذلان الدولي، فبَعد غزَّة توجَّهت آلة القمع والقتل والإرهاب الإسرائيلية نَحْوَ الضفَّة، وأسقطت في سويعات قليلة عددًا من الشهداء بها، حيث مارست قوات الاحتلال الإسرائيلي الإعدام الميداني المتعمَّد في نابلس والخليل، لتضاف جريمة بشعة جديدة لسجلِّ الجرائم الصهيونية، التي لَنْ تسقطَ بالتقادم رغم الصَّمت والتواطؤ الدولي، لِتكُونَ جريمة نابلس حلقة جديدة في حرب دولة الاحتلال الإسرائيلي المفتوحة ضدَّ الشَّعب الفلسطيني الأعزل وقضيته وحقوقه العادلة والمشروعة، ولِتكُونَ أيضًا تلك الجرائم المُتجدِّدة في الضفَّة والقِطاع إحدى وسائل هذا الكيان الغاصب، لكَسْر إرادة الصمود لدى أبناء فلسطين المناضلين، بهدف بسط مطامع الاحتلال في كُلِّ ما هو فلسطيني كأمْرٍ واقع على الفلسطينيين التعايش معه.
إنَّ جرائم الاحتلال في غزَّة والضفَّة لَمْ تكُنْ سترتكب لو تمَّ معاقبة هذه الدولة الغاصبة ومحاسبتها على جرائمها الممتدَّة منذ بداية الصراع، لكنَّ شعور هذه الدولة بالحصانة والحماية يُشجِّعها على التمادي في تعميق عدوانها وتصعيدها المتعمَّد للأوضاع في ساحة الصراع، حيث تسعى دولة الاحتلال الإسرائيلي دائمًا منذ (الإعلان) إلى فرْض الحلِّ العسكري المعتمد على الإرهاب القاتل، بديلًا عن الحلول السياسية للصراع، المبنية على القرارات الأُمميَّة والشرعية الدولية، في محاولة مفضوحة لإخفاء الطابع السياسي الإجرامي لها ولعنصريَّتها، السَّاعية لكسْبِ المزيد من الوقت لتنفيذ المزيد من المخططات والمشاريع الاستعمارية التوسعية، على حساب الحق الفلسطيني الأصيل، وقتْلِ أيِّ فُرصة لإحياء عملية السلام الميتة إكلينيكيًّا جرَّاء التعنُّت الإسرائيلي والجرائم المتكررة، التي بات من الضروري محاسبة دولة الاحتلال على جرائمها، ووقف سياسة الكيل بمكيالين، التي تساعد المُعتدي على ارتكاب المزيد من جرائمه، فمَنْ أَمِنَ العقوبة أساء الأدب.
وخير دليل على ذلك هو تكرار العدوان على قِطاع غزَّة خمس مرَّات منذ الانسحاب الإسرائيلي منه وحصاره، حيث خلَّفت هذه الاعتداءات الإرهابية المتكررة على القِطاع مئات الشهداء وآلاف الجرحى. ورغم الجهود المصرية، إلَّا أنَّ القِطاع لَنْ يكُونَ بمأمن من عدوان الاحتلال، دُونَ محاسبته، التي ستُجبر المُحتلَّ الإسرائيلي على المُضيِّ نَحْوَ الحلِّ السياسي، وهو ما أدركته القيادة المصرية في الهدنة الأخيرة، حيث دعت مصر دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى ضرورة البناء على الهدنة بتحسين جودة حياة الشَّعب الفلسطيني أولًا، والبدء التدريجي في خوض مفاوضات الحلِّ النهائي، فالهدنة مجرَّد حلٍّ مؤقَّت يمكن مع الالتزام الصهيوني أنْ يبنى عليه، لتحقيق السلام الشامل والعادل والقائم على قرارات الشرعية الدولية، ولكنْ يبقى التنفيذ الإسرائيلي بَعِيدَ المنال، فمع إعلان الهدنة في غزَّة، شرعت في عدوان جديد استهدف هذه المرَّة أهالي الضفَّة.