إن واقع قِطاع غزَّة، وصمود أبناء القِطاع في كل جولات العدوان منذ عدوان 1956 وحتى الآن، جعلت من أهالي القِطاع، أصحاب إرادة فولاذية، صلبة، لا يُمكن كسرها مهما ساءت الظروف والمعطيات..

مع الحديث عن وقف إطلاق النار على جبهة القِطاع برعاية إقليمية ودولية، مع تدخل الأمم المتحدة، من المهم أن نعرض بعض الأمور المتعلقة بقِطاع غزَّة، هذا الجزء الغالي من أرض فلسطين بشرًا وأرضًا.
قِطاع غزَّة، المنطقة الضيقة من السهل الساحلي الفلسطيني على البحر الأبيض المتوسط، وعلى شكل شريط ضيِّق داخل حدود فلسطين الانتدابية، يُشكِّل تقريبا 1,33% من مساحة أرض فلسطين التاريخية. وقد سُمِّي بقِطاع غزَّة نسبةً لأكبر مدنه، وهي مدينة غزَّة. حيث يمتد القِطاع على مساحة (360) كيلومترًا مربعًا، بطول (41) كيلومترًا تقريبًا. أما عرضه فيتراوح بين (5) و(15) كيلومترًا. تحدُّه الأراضي المحتلة عام 1948، شمالًا وشرقًا والتي تُسميها دولة الاحتلال الإسرائيلي بمنطقة الغلاف ومستعمراتها بـ”مستعمرات الغلاف”، بينما تحدُّه جمهورية مصر العربية من الجنوب الغربي. ويشكِّل جزءًا من الأراضي التي تسعى السلطة الوطنية الفلسطينية لإنشاء دولة ضمن حدودها في إطار حل التوافق الدولي انطلاقًا من الشرعية الأممية “حل الدولتين”.
وسواء، تم سريان مفعول وقف إطلاق النار، أو تقطع، بعد الوساطات الإقليمية والدولية، فإن قِطاع غزَّة، يبقى الشوكة المغروسة في عنق الاحتلال. فغالبية سكان القِطاع، وتحديدًا نحو 65% منهم من لاجئي فلسطين، وتحديدًا من مناطق ومدن وقرى وأرياف: يافا، واللد، والرملة، النقب، بير السبع، وعسقلان، وأسدود...إلخ. لذلك فإن وجود هذه الكتلة السكانية الكبيرة العدد من لاجئي فلسطين تقلق مضاجع دولة الاحتلال الإسرائيلي وقادتها منذ قيامها عام 1948 على أنقاض الكيان الوطني والقومي للشعب العربي الفلسطيني.
إن قِطاع غزَّة، بمساحته الصغيرة جدًّا، وباعتباره شريطًا على البحر البيض المتوسط جنوب الساحل الفلسطيني، يضمُّ فوق ترابه أكبر كثافة سكانية في العالم على الإطلاق، بواقع مليونين ومائتي ألف نسمة على مساحة لا تتجاوز (366) كيلومترًا مربعًا، وهو ما يزيد من القلق العالي لدى دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي ترى بالقِطاع مشكلة قابلة للانفجار السكاني اللاحق بوجه “إسرائيل” حيث ترنو عيون لاجئي فلسطين في القِطاع، باتجاه مدنهم وقراهم وبلداتهم داخل حدود العام 1948. والتي لن يتخلوا عنها طال الزمن أم قصر. فـ”الحق لا يموت بالتقادم، ولا يلغيه تجبُّر ظالم”.
إن واقع قِطاع غزَّة، وصمود أبناء القِطاع في كل جولات العدوان منذ عدوان 1956 وحتى الآن، جعلت من أهالي القِطاع، أصحاب إرادة فولاذية، صلبة، لا يُمكن كسرها مهما ساءت الظروف والمعطيات، وهو ما حدا بواحدٍ من مؤسِّسي الكيان الصهيوني ومن قادة حرب العام 1948، الجنرال (إسحاق رابين) للتعبير الصارخ عن قلقه العالي، بقوله إنه: “يحلم أن يصحو من نومه في يومٍ من الأيام، ويرى البحر وقد ابتلع قِطاع غزَّة، ومن عليه”. ونحن نقول البحر سيبتلع من جاء بالسفن مستوطنًا من أقاصي الدنيا الأربع، وليس الشَّعب الفلسطيني (الأصيل)، الذي كان وما زال قبل البحر.
إنه القِطاع، قِطاع غزَّة، درة الكفاح الوطني الفلسطيني، المنطقة الوحيدة في العالم التي لا توجد بها “آثار الأمية” و”فشل التعليم”، بل المنطقة المُضيئة التي ينتشر العلم والمعرفة في كل زواياها، بالرغم من الفاقة، وضيق الحياة، وتراجع المداخيل، وتدني مستويات الحياة الاقتصادية لعموم المواطنين، وسكن غالبية المواطنين في المخيمات منذ عام النكبة. والتي تُشرف عليها وكالة هيئة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (وكالة أونروا).
إنه قِطاع غزَّة، الذي يدفع ضريبة يومية، كما يدفعها عموم أبناء فلسطين في الأرض الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية والقدس، ومخيمات الشتات الفلسطيني في دول الطوق (سوريا+ لبنان+ الأردن)، في مسار الثورة والحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة. ضريبة يتم دفعها عن الأمة العربية والإسلامية وعن كل أحرار العالم من الجسد والدم والروح الفلسطينية.
وسواء، بسواء، مرت الهدنة، التي تم التوافق عليها عبر أطراف إقليمية، والأمم المتحدة، والقاضية بوقف إطلاق النار، أو تم اختراقها من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي كما يُهدد ويتوعد رئيس الوزراء (يائير لبيد) والجنرال كوخافي رئيس الأركان، فإن الحالة الوطنية الفلسطينية ليست مُكبّلة، والمدد الفلسطيني يتواصل من دماء الشهداء، والضحايا، خصوصًا الأطفال، حيث سقط نحو (44) شهيدًا، منهم (15) طفلًا، وخمس نساء، وقيادات وكوادر من كل الفصائل، كان آخرهم أمين سر حركة فتح في شرق القِطاع.
أخيرًا، سيبقى الشعب الفلسطيني بنصفه، على أرض وطنه التاريخي، والنصف الثاني ينتظر العودة بالعمل والكفاح المتواصل، ولن يكون هناك حل، ولن تهنأ دولة الاحتلال الإسرائيلي بأي راحة، دون إنصاف الشَّعب الفلسطيني، وحقه في العودة تقرير المصير والاستقلال الوطني.

علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك
[email protected]