[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]
قد تباينت التقديرات عدة مرات خلال الأيام القليلة الماضية بشأن معدلات النمو في اقتصادات وطنية، وعلى صعيد بعض الاقتصادات الإقليمية والقارية ذات التوجهات المشتركة، وكذلك على صعيد متغيرات الاقتصاد العالمي عمومًا، ومع هذا التباين في ارتفاع وتيرة التفاؤل وانخفاضه، هناك من قال بأسباب ترتبط بانخفاض أسعار النفط والغاز، وكذلك بالتوترات السياسية ووجود هامش قوي من الخصومات التي بدأت تحكم العلاقات الدولية والتباين والتعارضات في الحلول لإنهاء هذه المشكلة أو تلك، غير أن الوضع يتعلق بأسباب أخرى أيضا ترتبط بما يمكن أن نصطلح عليه الحرب النفسية التي تستخدم فيها الأسلحة الاقتصادية وما يتعلق بفرص التنمية، أي بما يشعل حالة الإحباط أو يقللها خصوصا مع الخلط الواضح بين مفهومي الأزمة والضائقة المالية، وبالتالي تكون لذلك تأثيراته الواضحة على صعيد الأوضاع العامة للدول منفردة والكتل الدولية، وإذا أردنا التفصيل في التشخيص، فإن ما يقال عن تراجع الاقتصاد الروسي، ومن تنتظره من معدلات واطئة للنمو وانخفاضات محتملة إضافية للروبل، إنما يدخل بعضه ضمن قائمة الحرب النفسية بالنسخة التهليعية (نسبة إلى الهلع) التي يشنها الأوروبيون والأوروبيون على روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية، مقابل ذلك وصل إلى حد التضارب النسبي فيما يخص أسعار ثنائية الدولار الأوروبي واليورو الأوروبي، أو ما يمكن أن نسميه صراع أفراد العائلة الواحدة.
كما أن ما يشاع عن مخاطر جسيمة تهدد بعض الاقتصادات العربية ووضع أرقام فلكية لخسائر منتظرة فيها يقع جزء منه ضمن دائرة تلك الحرب والمناوشات لتكريس حالة الانحلال، وفرض قناعات مزورة بأنه لا أمل من إصلاح تلك الاقتصادات، وأن عليها أن تتكيف، وهكذا يكون عامل آخر قد دخل على حيز الأزمة في بعض البلدان العربية إلى جانب الحيز السياسي وما تفرضه الأوضاع الأمنية المتردية بين الحين والآخر في تجاذبات رؤية تغذيها فضائيات عربية.
ولكي تكون لدينا حصانات في مواجهة هذا الضخ الإعلامي الاقتصادي، والأرقام المحبطة التي ترافقه، علينا أن نعتقد أننا لا نفتقر لخبراء وقادة رأي اقتصادي يستطيعون أن يؤشروا لنا ما يمكن أن يحصل خلال هذه السنة أو السنوات القادمة إذا توفرت لهؤلاء الخبراء بيانات إحصائية ومعلومات على درجة من الأهمية، وبالتالي لا ينقصهم بأي حال من الأحوال تقديم حلول للأزمات التي تحصل من خلال تبني سياسات اقتصادية تستطيع أن تكون رادعة أو بقدرة كافية لاحتواء ما يمكن أن يحصل دون الوقوع في أزمة مستعصية، ولي أيضا أن أشير هنا إلى أن من الخطأ الجسيم أن نتصور حلولًا سريعة وناجعة للأوضاع الاقتصادية في أغلب الدول العربية إذا أخذنا بمنظومة من القناعات بأن ما يحصل في هذه البلدان من تدخلات أجنبية، وكذلك ما تقوم به بعض الجهات المتطرفة بغطاء دولي معين يراد به إبقاء هذه الدول على الحافة ضمن انشغالات سياسية وأمنية متفاقمة، مع الأخذ باحتمال أن التدخل الأجنبي عمومًا يراد به إدارة أزمات وليس إنهاء هذه الأزمات لعوامل ومصالح تلك الدول الكبرى التي تبني مجموع توجهاتها على أهداف استراتيجية ذات ارتباطات فعلية بطموحات النفوذ.
إن علينا عربيًّا أن نتعلم جميعًا من ذلك، بل وعلينا أن لا ننتظر من الدول الصديقة لنا أن تأتي مساعداتها بالمستوى الذي نطمح به، ولهذا لا خيار إلا أن نعتمد على قدراتنا الذاتية أولًا وأخيرًا، وأن لا نقع تحت طائلة وعود تلك الدول ضمن المستوى الذي نتمناه إذا أخذنا بحقيقة أن الاقتصاد العالمي عمومًا يعاني من ركود نسبي ولا توجد دولة الآن في هذا العالم يمكن أن نقول إنها خالية من المشاكل الاقتصادية.