في ظل التحوُّلات التي يشهدها الواقع الاجتماعي الوطني وانعكاساتها على قضايا الأمن الاجتماعي، وما تشير إليه إحصائيات الجرائم في سلطنة عُمان من أن عدد الجرائم التي تم ارتكابها في عام 2020 قد بلغت (11.312) وأن الجرائم الواقعة على الأموال هي أكثر الجرائم ارتكابا في عام 2020م، حيث بلغ عددها( 3.422) جريمة. تليها الجرائم الواقعة على الأفراد (2.476) جريمة، الجرائم المخالفة للقوانين (2.167)، جرائم المخدرات (1.376) والجرائم الواقعة على الإدارة العامة والمخلة بالثقة العامة (545) الجرائم الأخرى (545)، جرائم السكر والخمور (428)، والجرائم المخلة بالعرض والأخلاق العامة (324)، وجرائم الأسلحة والذخائر (29)، وتشير الإحصائيات إلى أن الفئة العمرية (18-39) سنة هي الفئات الأكثر في عدد الجناة، حيث شكلت ما نسبته (73%) من إجمالي الجناة. وأن نسبة الأحداث الذين تقل أعمارهم عن 18 سنة بلغت (2.3%). وغيرها من الجرائم والقضايا المتعلقة بالمخدرات والحوادث المرورية وحوادث الأطفال وقضايا الأمن والسلامة العامة والظواهر الاجتماعية السلبية التي باتت تؤثر على قِيَم المجتمع وغيرها من القضايا ذات الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والنفسية والأخلاقية والتي باتت تحمل تداعيات أمنية لها في واقع حياة المجتمع وما تتطلبه من ممكنات وموارد وموازنات باتت تؤثر على الجهود الوطنية، وعطفا على دور الإعلام ومؤسسات التنشئة الاجتماعية الأخرى في تعزيز الوعي الاجتماعي، وتأصيل القِيَم وترسيخ الهوية والأخلاق، والحفاظ على مكوِّنات المجتمع وموارده الأخلاقية، وتوجيه الرأي العام بالقضايا المجتمعية والظواهر السلبية والممارسات التي باتت تشكل تحدِّيا على هوية النشء وأخلاقه وانطلاقا من معطيات رؤية عُمان 2040 ومرتكزاتها المتعلقة بالإنسان والمجتمع، والمحافظة على الهوية وصون الثوابت الوطنية، تأتي أهمية طرح موقع القضايا الاجتماعية في المسار الإعلامي الوطني ومدى حضورها في الدورة البرامجية للفضاء الإعلامي الرسمي، سواء كان المسموع منه أم المقروء أم المشاهد، وعبر حضور أكبر للقضايا الأمنية والاجتماعية في البرامج الإعلامية الوطنية.
وبالتالي ما يعنيه ذلك من قراءة متوازنة عميقة موضوعية شفافة يطرحها الإعلام في سياساته وبرامجه وخطابه لمفهوم الأمن واستراتيجياته في الحياة وارتباطه بكل متطلبات التنمية، في صبغته الإنسانية التي تمثّل جملة المبادئ والقواعد والأسس والمنطلقات المرتبطة بسعادة الإنسان وأمنه واستقراره، والمحافظة على السلوك الراقي والذوق العام، وتعميق البحث في قضايا الأمن الاجتماعي والسلوك الشخصي ومنهج الوقاية في التعامل مع كل المؤثرات السلبية على فكره وصحته وعقله ووجدانه وضميره، وبناء روح المسؤولية في مختلف جوانب حياته، الاجتماعية والنفسية والصحية والفكرية والاقتصادية والأخلاقية والمهنية، وفق قواعد ومحددات تستهدف تعزيز الوعي وترسيخ حس المسؤولية وتقوية نهج المواطنة وبناء قناعات ذاتية لدى المجتمع نحو مسؤولية في توسيع خيار البدائل وإنتاج الحلول، والبحث عن أدوات الوقاية وأنماط الرقابة وبدائل التجديد وتعزيز الممارسات الإيجابية الصحية والنفسية والفكرية والأخلاقية والقيمية والوقائية، حول العديد من السلوكيات أو العادات والممارسات المرتبطة بطريقة تعامل الفرد معها وموقفها منها، ومدى اقترابها من تحقيق أمن الإنسان الشخصي، بما يحفظ كيانه البشري ونسيجه الاجتماعي، أو ما يتعلق منها بالأمن الوطني العام وحضور حق الدولة ومكانتها في ممارساته عبر احترام القوانين والتشريعات وحماية الممتلكات العامة والخاصة والولاء لله والوطن والسلطان، وبالتالي قراءة حياة الفرد والمجتمع في إطار متكامل عنوانها صدق المبدأ والثقة والاحترام، وسياجها تعميق استراتيجيات الأمن والأمان، وتقليل حاجز رهبة المفاهيم والمصطلحات الأمنية وتقريبها من فكر المجتمع واستنطاقها في ممارساته وأخلاقه وواقع عمله وإبرازها في صورتها الجمالية الراقية التي تستهدف حماية الإنسان وصون ذاته وفتح المجال له لبناء حياته في ظل وعي وفهم وإدراك ومسؤولية، هذا الأمر يأخذ في الحسبان أيضا ربط الجهود المعنية بتوعية المواطن وتثقيفه ونصحه، وتصحيح المفاهيم المغلوطة لديه، وتمكينه من التعامل الواعي مع كل ما يتعلق بأمنه الشخصي والاجتماعي وعبر توفير الممكنات الفكرية والمهارات والأدوات التي تصقل فكر الفرد والمجتمع وتعزز من استيعابه الواعي لمفاهيم الأمن والاستقرار والسكينة والطمأنينة في حياته، والقضايا اليومية المرتبطة بالسلوك الفردي والمجتمعي والممارسات التي قد تخل بمبادئ الالتزام لديه.
وعليه، فإن دور الإعلام في هذا الجانب يرتبط بجملة المبادرات التي يصنعها في سبيل رفع السلوك الأمني الوقائي على المستوى الشخصي والمجتمعي والوطني، وعبر بناء مسارات مبتكرة لصناعة القدوات المجتمعية والإعلاء منها والتعريف بها والتسويق للسلوكيات الراقية وتعزيز النماذج المضيئة، وتأصيل ارتباط النشء بالمنجز الوطني والجهود المبذولة من قبل المؤسسات، بالإضافة إلى تقديم محتوى إعلامية متنوع وعميق، ومادة إعلامية تستوعب حجم القضايا الاجتماعية والأمنية واتساعها في المجتمع، وتبسيط برامج التوعية والتثقيف بها وتكييفها مع مختلف شرائح المجتمع، وتوليد أسلوب خطابي يساير التوقعات، بشكل تراعي فيه برامج التوعية والتثقيف الإعلامي التنوع الحاصل في طبيعة المخاطبين من شرائح المجتمع المختلفة، وتعدد احتياجاتهم، وفق مداخل متعددة ومناهج متنوعة مراعية في ذلك كل المتغيرات المؤثرة في سلوك المستهدفين، من حيث الجوانب النفسية والخبرات والمراحل العمرية والسلوك الاجتماعي والثقافة العامة، وطبيعة المحتوى المناسب للحالة المجتمعية، ورصد مستمر لمؤشرات التحقق الحاصلة والتأثير الفعلي من واقع سلوك المستهدفين، وإعدادها في الشكل البرامجي المناسب لها، لعرضها على الجمهور المتلقي لها، متخيرة أفضل الأوقات، وأجمل الأساليب الإخراجية الإعلامية المؤثرة في سلوك المتابعين، معززة بفرص التسويق والترويج المناسبة، التي تصنع من الواقع ومساحات الحوار المباشرة مع المواطن ووجهات نظره ورصد احتياجاته وتوقعاته، فرصة لتحقيق الاستدامة في المنتوج الإعلامي، وقوة التأثير والجدية في التجاوب معه، والثقة بمصادره، وبناء نماذج وتطبيقات عملية لنقل الصورة الإيجابية وتقريبها إلى ذهن وخيال المتابع لها من مشاهدين ومستمعين وممارسين، وتعميق أثرها في المجتمع، بحيث تعبِّر كل النماذج والأدوات والحوارات في الإعلامية الناتجة، عن إنسانية الأمن في اتساعه وشموليته وارتباطه بالحياة اليومية للمواطن، وتأكيدها على قيمة الشراكة عبر دور الإعلام في فتح أبواب السعادة والطمأنينة وهي ترفرف على حياة إنسان هذا الوطن، وتتجه إلى الدخول في تفاصيل سلوكه اليومي وتشخيص جوانب الاحتياج لديه وترقيه جوانب التفكير الإيجابي والتفاؤل والنظرة التحليلية المصحوبة بتنوع البدائل للمستقبل، الأمر الذي من شأنه توفير البدائل وتوسيع الخيارات، وتقديم الحلول المنتجة التي ترفد فيها جهات الاختصاص الرسالة الإعلامية الوطنية بالحلول لتدارس نوعية الأساليب المستخدمة في التوعية، وما تبرزه الإحصائيات الدورية من ارتفاع أو انخفاض في طبيعة الظواهر والجرائم والقضايا الاجتماعية والأمنية ذات الصلة.
وبالتالي الحاجة إلى تقييم مدى حضور هذه الموجهات في الدورة البرامجية الإعلامية على شكل برامج حوارية أو برامج مباشرة أو وثائقية من المؤشرات الإحصائية وواقع عمل الجهات المعنية، بما يؤكد دور الإعلام في حشد الجهود المجتمعية والمؤسسية في رصد الظواهر الاجتماعية ودراستها، وإنتاج الحلول المناسبة لها، منطلقا من تشخيص المخاطر المترتبة عليها، والآثار الناتجة عنها، وأولوية التعامل معها، والأدوات التي تحتاجها، ومستوى انتشارها في المحافظات والمتغيرات أو الظروف التي باتت تروج لها، وبناء روح مجتمعية توافقية في القطاعات الأمنية والاجتماعية والتشريعية والقضائية والتعليمية والبحثية والاستشرافية، في دراسة هذه الظواهر وتقييم الجهود الوطنية في معالجتها، للخروج بسياسات وإجراءات وتشريعات وقوانين وسياسات وبرامج تقف على تفاصيل هذه الظواهر وتتخذ الحلول المناسبة لمعالجتها، ويبقى دور الإعلام في التوسع في مظلة التوعية الإعلامية لها أو توفير منصَّات أخرى تعمل على رفع مستوى الوعي الاجتماعي وتقليل حجم الهدر الناتج عن اتساع هذه الظواهر والممارسات، كونها قضايا الإنسان اليومية في تعامله مع كل مفردات الحياة، ترصد آليات تصرفه في المواقف، وما يمتلكه من فرص التغيير، وإعادة صياغة الممارسة من جديد، وتوليد منصَّات إعلامية أوسع لحوار الشباب ـ أكثر الفئات صلة بها ـ في رصد قضاياه اليومية ومشكلاته الحياتية المتعلقة بالصحة النفسية واستخدام الطريق والحريات والصحة الجسدية وثقافة الشباب والهوية وقضايا المخدرات وغيرها كثير، مستفيدة من الفضاء الرقمي والمنصَّات الاجتماعية في إيصال محتوى هذه الرسالة، بما يضمن تحوُّلا في سلوك المستهدفين من شرائح المجتمع وتأثيرا إيجابيا في قناعاته، وإيجاد مسارات إعلامية تعزز في سلوك الفرد مفهوم الحس الأمني الناتج من شعوره بمسؤولياته في الحياة، والقيمة الناتجة من نشر مظلة الأمان النفسي والاستقرار الفكري في حياة المجتمع. أخيرا، تبقى أولوية الإعلام في إيجاد مساحات كافية ومتكافئة لهذه القضايا والظواهر في الدورات البرامجية الإعلامية والمحتوى الإعلامي التلفزيوني والإذاعي والصحافة الإلكترونية والورقية والإعلام البديل عبر منصَّات التواصل الاجتماعي وقنوات اليوتيوب وغيرها، هذا الأمر من شأنه أن يعزز مسألة التنوع في البرامج الإعلامية المقدمة ويفتح المجال للرأي العام لتبني هذه البرامج واهتمامه بها، وتوليد فرص المنافسة والاعتراف بها، كمصدر رئيسي لحصوله على مصداقية الخبر ومهنية الكلمة، عبر قراءة تضمن بقاء معادلة توازن المحتوى الإعلامي نشطة متفاعلة مع الواقع، ترصده بعيون أبناء الوطن والمقيمين فيه، عبر تعدد مساحات الرأي، ووجهات النظر، والوقوف على شواهد الفعل، وعرض النماذج المضيئة والمبادرات الناجحة والتجارب الثرية وأفضل الممارسات، في تعزيز البعد الوقائي والضبط الاجتماعي والرقابة المجتمعية والحس المسؤول ويجيب عن التساؤلات التي يطرحها واقع المجتمع حول اتساع هذه القضايا ونموها في المجتمع.

د. رجب بن علي العويسي
[email protected]