إن ضيق الأفق الذي نراه على الساحة الدولية، والتغاضي عن حق الفلسطينيين في حياة كريمة، وتركهم فريسة بين أنياب هذه الدولة الغاصبة، هو لب القضية، فالهدنة يجب أن تكون بداية حقيقية لمرحلة جديدة..

انتهى العدوان على غزة وأعلنت هدنة جديدة بجهود مصرية، لكن يبقى التساؤل المشروع، متى ستدفع دولة الاحتلال الإسرائيلي ثمن جرائمها؟ ومن سيعوض القطاع عن الخسائر المادية الكبرى التي حدثت جراء هذا العدوان الغاشم؟ والأهم: من سيعوض 46 أسرة فلسطينية استشهد أبناؤها نتيجة العدوان الغاشم أغلبهم من النساء والأطفال، ناهيك عن جرح وإصابة أكثر من 300 فلسطيني، بعضهم أصيب بإعاقة ستمنعه من ممارسة حياته الطبيعية طوال عمره؟ والسؤال الأخير: من سيضمن عدم تكرار الكيان الإرهابي لعدوانه مجددا، وهو يدرك أنه لن يحاسب في النهاية على جرائمه؟ قد تكون تساؤلات تتسم بالسذاجة والسطحية، لكنها بالتأكيد هي جوهر صراع ممتد لقرن من الزمان، ولا نعرف متى سينتهي، صراع غير متكافئ بين شعب أعزل محاصر لا يملك إلا الشرعية وحقه المدعوم بقرارات أممية ودولية، وبين كيان يملك القوة والعلاقات التي تحميه وتجعله يستمر في عدوانه، ويمارس أبشع صنوف القمع والإرهاب ضد الشعب الفلسطيني الأعزل.
صحيح أن البعض ينظر للعدوان الأخير من منطلق الأرقام والإحصائيات، التي تؤكد أنه الأقل ضررا على القطاع، من ضمن خمس حروب شنتها دولة الاحتلال الإسرائيلي في الـ16 عاما الأخيرة، وأن جهود الاحتواء المصرية، وهذا صحيح، استطاعت أن تقلل الضرر، وعملت بسرعة على عقد الهدنة التي تحمي أبناء فلسطين. لكن بعيدا عن الدور المصري، هناك جهات وهيئات ودول لم تقم بدورها، لذا سيظل العدوان الإسرائيلي، سواء على القطاع أو الضفة سلاحا مسلطا تستخدمه دولة الاحتلال في الوقت الذي تريده، لتحقق الأهداف التي تريدها، فغياب العقاب كما قلنا في المقال السابق، يعطي لهذه الدولة الغاصبة أريحية في استخدام فارق القوة الكبير لتحقيق مآربها، ويضع الشعب الفلسطيني أمام خيارات صعبة، لا يعلم إلا الله مداها، فكما يقولون “الضغط يولد الانفجار”، وهو انفجار عظيم سيكون بحجم ما تحمله القضية الفلسطينية من حساسية دينية وقومية، ستؤثر على الأمن والسلام العالمي.
إن ضيق الأفق الذي نراه على الساحة الدولية، والتغاضي عن حق الفلسطينيين في حياة كريمة، وتركهم فريسة بين أنياب هذه الدولة الغاصبة، هو لب القضية، فالهدنة يجب أن تكون بداية حقيقية لمرحلة جديدة، يفرض فيها المحيط الإقليمي والمجتمع الدولي على دولة الاحتلال الإسرائيلي خطوطا عريضة، تعمل على فتح الآفاق للفلسطينيين نحو حياة طبيعية، لهم ولأجيالهم القادمة، فالمتحدثون عن السلام وحتميته لا بُدَّ أن يراجعوا أنفسهم أولا في طبيعة هذا السلام الذين يتحدثون عنه، فالسلام القائم على الحقوق كافة، وأهمها حق الإنسان في الحياة، هو ما سيصنع المرجو وسيعيد الهدوء للمنطقة، وقد يجعل سكانها يتقبلون الوضع الحالي، لكن استغلال الضعف العربي والفلسطيني واستمرار التواطؤ مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، لن يبني سلاما حقيقيا، بل رضوخ ناتج عن عدم المقدرة، وإذا جاءت المقدرة، فستتغير الأوضاع.
وأول ما يجب على المجتمع الدولي تغييره في التعاطي مع القضية، هو النظر لعدد الضحايا كأرقام تزيد وتنقص، فواحد من الأرقام يحمل لأسرة كبيرة حالة من الحزن والغضب، يجعل كل أعضائها راغبين في الانتقام، ورافضين لأي حلول، وحتى تستقيم الأمور فعلى الجميع أن يدرك أن الحساب الوقتي لا يردع المعتدي فقط، ويمنعه من تكرار جرائمه، لكنه يمنح المعتدى عليه سكينة سيحتاجها إذا الحرب وضعت أوزارها، وسيكون التوجُّه نحو السلام خيارا يمكن أن يتجاوب معه الضحايا، ويتحملون تبعاته، لذا فالعالم ـ خصوصا جهات التحقيق الأممية ـ مطالبة على الأقل بنتائج تحقيقات تشير إلى مجرمي الحرب الإسرائيليون، ليكونوا رادعا لدولة الاحتلال، وشفاء لصدور ذوي الضحايا في هذا القطاع المحاصر منذ عقود.

إبراهيم بدوي
[email protected]