حققت سلطنة عُمان، خلال العقود الخمسة الماضية، نهضة كبرى على صعيد الخدمات الصحية التي تقدمها، حيث شهدت إنجازات مشهودة في القِطاع الصحي تمثلت في توفير كافَّة خدمات الرعاية الصحية الأساسية للمواطن، بالإضافة إلى المقيمين على أرض السَّلطنة، وانعكس هذا التطور الإيجابي على جميع المؤشرات الصحية التي بمقتضاها أصبحت سلطنة عُمان تصنف حاليًّا ضمن الدول المتقدِّمة في مجال تقديم الخدمات الصحية على مستوى العالم، وقد رفعت سلطنة عُمان شعار “الصحة حق لكل مواطن”، ليكون هذا الشعار انطلاقة نحو تأسيس قِطاع صحي واعد، قادر على التطوير المستمر الذي يواكب أحدث الطرق العلاجية والتقنيات حَوْلَ العالم، كما اهتمت بالكادر البشري الوطني، وعملت على تأهيله وتدريبه بشكلٍ يواكب المستجدات العلمية التي يشهدها القِطاع الطبي بشكلٍ مستمر في العالم أجمع.
ولعلَّ هذه القفزة الكبرى ارتكزت على مجموعة من المؤسسات الطبية والبحثية المتطوِّرة التي صنعت الفارق، حيث شهد بقدراتها القاصي والداني، وآخر تلك الإشادات جاءت من منظمة الصحة العالمية، حيث أشاد الدكتور أحمد بن سالم المنظري مدير منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط باستراتيجية سلطنة عُمان في تطبيق المنهج الذي أوصت به منظمة الصحة العالمية فيما يتعلق بالتعامل مع مختلف الأمراض المُعْدية، حيث أوضح مدير منظمة الصحة العالمية لإقليم شرق المتوسط خلال افتتاح أعمال مؤتمر صلالة الثاني للأمراض الجلدية، الذي تنظمه الرابطة العُمانية للأمراض الجلدية بالتعاون مع مستشفى النهضة أنَّ هناك تكاملًا بَيْنَ مختلف القِطاعات الحكومية والخاصة بصورة عامة، بالإضافة إلى التكامل والتكاتف بَيْنَ القِطاع الصحي في سلطنة عُمان وأفراد المجتمع من حيث تطبيق المبادئ الأساسية في طريقة التعامل مع جائحة كورونا (كوفيد١٩)، سواء من حيث تطبيق الإجراءات الوقائية أو من حيث تعزيز القدرات المهنية والفنية للعاملين الصحيين والعمل على حمايتهم، وأنَّ هذا الوباء شهد تراجعًا واضحًا خلال الفترة الماضية، بعد إقبال المواطنين والمقيمين على أخذ اللقاحات المعترف بها دوليًّا من قِبل منظمة الصحة العالمية، وأنَّ “على الجميع أنْ يسعوا إلى أخذ اللقاحات المعززة من أجْل حماية الأرواح وذلك بحسب ما توصي به المنظمة”. إنَّ هذه النتائج التي تحققت وأشادت بها منظمة الصحة العالمية لم تكن لتتحقق الا بإدراك سلطنة عُمان أهميَّة التطوُّر السريع في مجال الطِّب الحديث والعلوم الدوائية والتكنولوجيا الحيَوية، وتقنيات إنتاج اللقاحات، حيث أدَّى هذا الاهتمام بتلك الأدوات إلى تحقيق العديد من الإنجازات في مجال الصحة عمومًا والأمراض المُعْدية على وجْه الخصوص، حيث استطاعت السَّلطنة بتلك الرؤية القضاء على العديد من الأمراض المُعْدية، واستئصال العديد منها، والحدَّ من انتشار البعض الآخر ووضعها تحت السيطرة، بشكلٍ يحدُّ من خطورتها الصحية على المجتمع العُماني.
ويبقى التحدِّي الأكبر الذي تواجهه المنظومة الصحية في البلاد، هو مواكبة النُّمو السكَّاني، والتوسُّع الحَضري، وتطور وسائل النقل، بالإضافة إلى زيادة التفاعل بَيْنَ الإنسان والحيوان، وهي أسباب تزيد من معدَّل الإصابة بالأمراض المُعْدية الناشئة والعائدة للظهور وانتشارها من جديد، ويبقى الرهان الأكبر لاستمرار المنظومة الصحية في البلاد على نفس المستوى الذي وصلت إليه، العمل على الاكتشاف المُبْكِر لهذه الأمراض، التي تشكِّل تهديدًا على الصحة، واستمرار تطوير مختبرات تعمل ضِمْنَ مستويات مناسبة من السلامة الحيوية، ولديها القدرة على تقديم تشخيصات دقيقة لمسببات الأمراض الفيروسية والبكتيرية الناشئة، وتتطلب عمليات الاكتشاف والتوصيف والتعقُّب الناجحة لهذه الأمراض نظامًا فاعلًا لمختبرات الصحة العامة (PHL)، ليس فقط على المستويين المحلِّي والوطني فحسب، بل أيضًا على المستويين الإقليمي والدولي.