أثَّرت الحروب والأزمات الدائرة في أكثر من بقعة في المعمورة على حركة السياحة العالمية. ومع بدء مرحلة التعافي، تمتلك سلطنة عُمان فرصًا واعدة لتنشيط الحركة السياحية في البلاد، بما تملكه من مُقوِّمات طبيعية واستقرار سياسي، ووعي اقتصادي جعلها من أقل دول العالم تأثرًا بالأحداث الحالية، كما تمتلك السَّلطنة تنوعًا متفردًا في المنتج السياحي على طول البلاد وعرضها، وعليها الاستفادة القصوى من معالم الحركة السياحية حاليًّا لوضع بصماتها على خريطة السياحة العالمية، خصوصًا في جذب السياحة المحلِّية والإقليمية، التي باتت تبحث عن منتج سياحي بعيدًا عن الحروب والأزمات الاقتصادية التي أثَّرت على العديد من الدول السياحية الكبرى؛ بفعل التنقل وارتفاع التضخم بها، ما جعل السائحين في سلطنة عُمان والإقليم عمومًا يبحثون عن تجربة سياحية تمتلك مُقوِّمات جذابة، وفي ذات الوقت ذات تكلفة تناسب الوضع الاقتصادي الحالي لمواطني مجلس التعاون الخليجي والمنطقة العربية، ناهيك عن تحقيق ذات الرغبة من العديد من الدول والأقاليم الأخرى حول العالم.
باختصار، فسلطنة عُمان تمتلك فُرصة حالية واعدة بفعل تلك العوامل السالفة الذكر، فُرصة تستطيع أنْ تبني عليها لتوطين صناعة السياحة بشكلٍ يحقق أهداف التنويع الاقتصادي المرجوَّة، خصوصًا في ظلِّ الإشادة التي تتلقاها السَّلطنة من وكالات تصنيفية عالمية متخصصة مِثل وكالة “فيتش سوليوشنز” الدولية التي رفعت توقُّعاتها الإيجابية لانتعاش السياحة في سلطنة عُمان خلال عامَيْ 2022 و2023 مع توقُّع نُمو أقوى خلال فترة التوقُّعات متوسطة المدى 2024-2026، وهو ما يعكس الفُرص المواتية للسياحة العُمانية، ويؤكِّد أنَّ حُسن استغلالها سيضع عُمان في مصاف الدول السياحية على الصعيد الإقليمي والدولي، فقد أشار تقرير الوكالة إلى وجود انتعاش ملحوظ لقِطاع السياحة في سلطنة عُمان بدأ منذ أواخر الربع الرابع لعام 2021 وتوقُّعاتها باستمرار النُّمو على مدى السنوات القادمة مستفيدًا من أجندة التنويع الاقتصادي لرؤية “عُمان 2040” وخطط التنمية السياحية التي تنفذها الحكومة من خلال برامج التعافي من تأثيرات جائحة “كوفيد-19” ومبادرات التسويق الرقمي والإعلان عن استثمارات جديدة خاصة في القِطاع. إنَّ تلك النظرة الإيجابية، والتطلُّعات المستقبلية الواعدة، تحتاج مُضي الدولة في تنفيذ خططها وبرامجها الواعدة السَّاعية للنهوض بقِطاع السياحة الذي يُعدُّ أحَدَ القِطاعات المُهمَّة التي تعمل الحكومة على تطويرها وفق رؤية “عُمان 2040” الطموحة، كما يستلزم نيل مِثل تلك الفُرص الإسراع في الخطوات، والطَّرق على الحديد وهو ساخن، والاستفادة من التغيُّرات التي تشهدها ساحة السياحة العالمية، وتحقيق مكانة آنية تواكب الطموح الذي تنشده البلاد من وراء تطوير صناعة السياحة، تطبيقًا لبيت الشعر العربي “إذا هبَّت رياحك فاغتنمها فعقبى كُلِّ خافقة سُكون”، فالفُرص المُتاحة حاليًّا قادرة على رسْم صورة ذهنية لسلطنة عُمان ومواقعها ومنتجاتها السياحية نستطيع أن نستفيد منها ومن حالة الاستقرار الذي تنعم به البلاد لعقود قادمة.
ولعلَّ أبرز ما استفادت منه السَّلطنة من تقرير الوكالة أنَّه خرج من وكالة تعتمد على تحليل الخبراء والتنبؤات المستقلة والمعلومات التنافسية حَوْلَ صناعة السياحة والتوقُّعات الاقتصادية للقِطاع حَوْلَ العالم، حيث تمَّ رصد تقرير قِطاع السياحة في سلطنة عُمان من خلال مصادر الوكالة التي تتضمن التقييم المستقل، وتوقُّعات الإنفاق السياحي، والإنفاق الحكومي على السياحة، ومؤشِّرات وصول المسافرين ومغادرتهم وفق وسيلة النقل وسبب السَّفر والمنشأ والوجهة، وسوق الإقامة، وهي أُسُس علمية موثوق منها على مستوى العالم، ما يستلزم مُضي الحكومة في تنفيذ خطَّة التنمية السياحية الشاملة، لتواكب تلك التقارير الدولية التي تُعدُّ أداة فاعلة لتقييم الجهود التنموية بشكلٍ مستقل، وتسهم في تعزيز تنافسية القِطاع، وجذب الاستثمارات، ودعم تدفُّق الحركة السياحية.