العملية المباركة التي ردت بها المقاومة اللبنانية على العدو الإسرائيلي جاءت لتقدم رسائل كثيرة إلى كيان الاحتلال الإسرائيلي وحلفائه وعملائه ووكلائه الدوليين والإقليميين وبعض العرب، بأن قواعد اللعبة والاشتباك قد تغيرت فعلًا، وتحولت إلى استراتيجية ملموسة بيد المقاومة على الواقع والجغرافيا لا على الورق والمنابر الإعلامية، وباتت تؤتي أكلها حسب ما أعدته تلك العقول النيرة وخططت، ووفق ما رسمته تلك الأيادي المباركة والباسلة، بدليل أن الرد على العدوان الإرهابي الإسرائيلي على المقاومة اللبنانية في القنيطرة بالجولان السوري المحتل، لم يتأخر كثيرًا، وإنما جاء سريعًا في الوقت الذي لم تجف فيه بعد دماء أولئك الأبطال، ولا تزال عيون ذويهم تسح من مآقيها دموع فرح ارتقائهم، فزمن العدوان الإسرائيلي بدون أن يلقى أي رد قد ولَّى، وأن معادلة الردع لم تعد فقط واقعًا تنثر رياح الطمأنينة والثقة والأمل في رجال بذلوا أنفسهم رخيصة من أجل أوطانهم وحياة شعوبهم وأبنائهم في أمن وأمان وسلم وسلام واستقرار، ومن أجل فلسطين والقدس وأقدس أقداسها المسجد الأقصى التي ستظل البوصلة التي لن تحيد عنها ـ بحول الله وتوفيقه ـ بنادق المقاومة وعقولها وكل إمكاناتها، بل إن هذه المعادلة التي ولدت في العام 2000م حين أخرجت العدو الإسرائيلي هو وعملاءه ومرتزقته من جنوب لبنان صاغرين يجرون أذيال الخزي والعار والهزيمة، قد تحولت إلى عاصفة من الرعب على كيان الاحتلال الإسرائيلي وقطعان مستوطنيه، وكل مشكك عليه أن يعود إلى التاريخ ليخرج له من الأدلة والبراهين في 2006 و2012 و2014م ما يردم شكوكه.
ما بين العدوان الإسرائيلي في القنيطرة والرد عليه، ارتسمت معالم معادلة الصراع الجديدة ليس على الحدود الفاصلة بين الجنوبين اللبناني والسوري وفلسطين المحتلة فحسب، وإنما لتشمل جغرافيا المنطقة، وما عجَّل تبلورها بصورة سريعة هو حماقات العدو الإسرائيلي ورهاناته الحالية القائمة على بناء تحالفات جديدة مع قوى تقاسمه الإرهاب بنيةً ونهجًا وممارسةً، ومع قوى أخرى داعمة لهذين الإرهابين. فالعملية النوعية التي قام بها حزب الله يوم أمس الأول ضد رتل من جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي كانت معنوياته ترفع بالرافعة المهترئة "الجيش الذي لا يقهر"، تكشف الجهوزية التامة والقدرة السريعة على الرد مع التطور الكبير الذي طرأ على المقاومة اللبنانية من حيث الدقة والاحترافية والذكاء والشجاعة، وتراكم الخبرة الميدانية والسلاح المتنوع والمتطور، وقوة الجهاز الأمني لديها في جمع المعلومات اللازمة والمطلوبة وبصورة سريعة حول الهدف؛ وكذلك المصداقية وثبات الموقف والوفاء بالوعد لدى قيادات المقاومة، ذلك أنها جاءت في أوج الاستنفار والانتشار الإسرائيليين غير المسبوقين عسكريًّا وأمنيًّا وسياسيًّا فوق الأرض وتحتها وفي الجو والبحر وعبر الأقمار الاصطناعية، ولتكشف على الجانب الآخر من خلال العدوان الإرهابي في القنيطرة، سمات الغدر والجبن والتهور والحماقة لدى العدو الإسرائيلي، فضلًا عن أن المعلومات التي تمكَّن بها من اغتيال رجال المقاومة اللبنانية تم تزويده بها من قبل عملاء وخونة وشركاء له في الإرهاب. كما أن من معالم هذه المعادلة الجديدة عودة التكامل للمقاومة من سوريا إلى لبنان إلى فلسطين ومن ورائها إيران بتلازم الجبهتين اللبنانية والسورية ورسائل التعزية والتضامن من الفصائل الفلسطينية المقاومة والمؤكدة أن المقاومتين الفلسطينية واللبنانية في خندق واحد في مواجهة العدو الأوحد للشعب الفلسطيني ولشعوب المنطقة.
إن العملية النوعية لحزب الله تختزل المشهد الذي سيكون عليه حال العدو الإسرائيلي إذا ما استمر في ارتكاب حماقاته، أو فكر في ارتكاب عدوان إرهابي سافر على لبنان أو حتى على سوريا، فهي رسالة شديدة الوضوح قوية اللهجة.