«.. وللمرء أن يتيقن الآن (بعد هذه المداهمة بالذات) أن عملية كبس قصر الرئيس ترامب الأسطوري، زيادة على جلسات الاستماع والتحقيق الجارية من قبل» لجنة خاصة«في الكونجرس (برئاسة ليز تشيني) إنما ستفضي إلى غاية ما يخشاه الرئيس السابق..»

لا يراودني الشك قط في أن عملية “كبس” قصر الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، إنما تقدم للعالم دروسًا مهمة؛ ربما كان أبرزها هو أن هذا الملياردير الذي حكم الولايات المتحدة الأميركية طوال أربع سنوات، والذي ينوي الترشح للرئاسة في الانتخابات القادمة (2024) لا يمكن أن يمتطي النظام ويهدد وجوده وآليات عمله: فإما ترامب، أو النظام العتيد!
هذه هي خلاصة ما حدث بدقة متناهية: أيهما أهم في نظر العقل الأميركي: (1) الرئيس ترامب الفرد، أم (2) النظام الأميركي (أو ما يطلق عليه البعض تعبير “الدولة العميقة”).
والجواب ـ بطبيعة الحال ـ هو أن النظام الأميركي العتيق أهم من الفرد، دونالد ترامب (بغضِّ النظر عن عمله رئيسًا في السابق. بل وأجزم بأن مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي نفَّذ عملية “كبس” قصر ترامب الأسطوري Mar-a-lago المطل على ساحل النخيل Palm Peach يعي جيدًا بأنه محمي ومدرع من غضب الرئيس السابق الذي ربما يرنو لأن يرتقي فوق القانون، بدليل رفضه تقديم وثائق مهمة للدولة الأميركية، بغضِّ النظر عن أهميتها الأمنية، أو سوى الأمنية، نظرًا لأنه يصبو هو إلى احتكارها، ليس تحديًا للنظام الأميركي فحسب، بل كذلك من أجل توظيفها سلاحًا لخدمة تنافسه المتوقع على الرئاسة عام 2024.
والحقُّ، فإن هذه الحال تذكر المرء بعدَّة حالات وقفت فيها الدول الرأسمالية، كإيطاليا وفرنسا، دعمًا لصالح النظام، وإن تطلب الأمر التضحية بحياة سياسي بارز: فهذا السياسي لا يمكن أن يدوم إلى لا نهاية، على عكس النظام (ويسميه البعض الدولة العميقة خطأً)، ذلك النظام الذي يفترض بالسياسي، مهما علت درجته ومهما سما قدره، أن يخدمه ويحميه، وليس أن يخدم ويحمي نفسه أو عائلته!
وللمرء أن يتيقن الآن (بعد هذه المداهمة بالذات) أن عملية كبس قصر الرئيس ترامب الأسطوري، زيادة على جلسات الاستماع والتحقيق الجارية من قبل “لجنة خاصة” في الكونجرس (برئاسة ليز تشيني) إنما ستفضي إلى غاية ما يخشاه الرئيس السابق، وهو تلويث سمعته وتشويه ما قدمت إدارته على النحو الذي يضمن عزوف أكبر كتلة من الناخبين عن اختياره عام 2024، علمًا أنه كرر الاعتراض والتنويه إلى أن جميع الإجراءات المتخذة ضده وضد أعوانه إنما ترمي إلى ثنيه عن الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة. وللمرء أن يتكهن بأنه كلما زادت واشتدَّت إجراءات استبعاده عن البيت الأبيض، يتضاعف تشبثه بالترشح للرئاسة، بغضِّ النظر عما لاث سمعته من شوائب. وللمرء أن يتخيل كذلك ماذا سيفعل ترامب بخصومه إذا حظي بدورة رئاسية قادمة! ويبقى السؤال قائمًا: من الذي سيكسر أنفه على حلبة السباق الرئاسي بعد عامين؟

أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي