تُعدُّ حوادث الطُّرق إحدى أهمِّ المعضلات الكبرى التي تسعى دوَل العالم كافَّة إلى مواجهتها، وسَنِّ قوانين رادعة لِمَا تُخلِّفه من آثار اقتصادية واجتماعية عدَّة، حيث تكلِّف تلك الحوادث الفردية خسائر بَشَرية واقتصادية بالغة الخطورة على المستوييْنِ الفردي والاجتماعي. فحوادث الطُّرق هي ثاني الأسباب الرئيسة للوفاة بَيْنَ سكَّان العالم، فهي تحصد سنويًّا ما يقارب مليونَيْ إنسان، وتُسبِّب الإصابة والإعاقة لقرابة مئة مليون، على الرغم من الجهود الذي تبذلها الدوَل والحكومات للحدِّ من هذه الظاهرة الكارثية، التي تُعدُّ من أهمِّ معوِّقات التنمية في الدوَل النَّامية والنَّاشئة وحتى المتقدِّمة، وتكمُن خطورة الحوادث المرورية فيما تتركه من آثار عدَّة على الفرد والمُجتمع، منها الاقتصادية والاجتماعية والنفسية، حيث ينتج عنها العديد من التلفيَّات والإصابات والوَفَيَات التي تؤثِّر على القوَّة الإنتاجية للمُجتمع، وتُسهم في استنزاف موارده البَشَرية والاقتصادية.
ولعلَّ أبرز ما تُشكِّله هذه الحوادث من أضرار على المُجتمع هو تحمُّل المُجتمع تكلفة الأضرار التي تُخلِّفها تلك الحوادث، والمتمثلة في إصلاح ما تضرَّر من بنيته الأساسية، التي يدفع ثمنَها كُلُّ أبناء المُجتمع. ولقد كانت سلطنة عُمان إحدى الدوَل التي أدركت عواقب حوادث السَّير، وعملت عَبْرَ بناء بنية أساسية تحدُّ من تلك الحوادث مبنيَّة على أُسُس علمية، بالإضافة إلى تغليظ العقوبات للحدِّ من ظاهرة انتشار تلك الحوادث، أو من خلال العمل التوعوي والإرشادي الذي يشمل التوعية بمتطلبات السلامة على الطريق، وتركيب أجهزة حديثة في الشوارع لمراقبة السرعة وتسيير دوريَّات متحركة، كما تمَّ إدخال جهاز محاكاة للبيئة المرورية في سلطنة عُمان وذلك في برامج السياقة الوقائية التي ينفِّذها معهد السلامة المرورية لاختبار وتقييم المتدربين على السياقة دُونَ اضطرارهم للخروج إلى الشارع وحمايةً لهم من أخطار الطريق، واختصارًا للوقت والجهد، وغيرها من الطُّرق التي حققت جزءًا كبيرًا من المرجوِّ منها.
وأكثر ما يؤكِّد الجهود التي تبذلها الجهات المسؤولة عن السلامة المرورية في البلاد، هو الانخفاض الكبير الذي تشهده حوادث السَّير مؤخرًا، فقد أوضحت أحدث الإحصائيات الصادرة عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات في إصدار المنظومة المرورية لسلطنة عُمان (2021م)، التحسُّن الملموس الذي شهدته مؤشِّرات السلامة المرورية خلال السَّنوات الخمس الماضية، والذي تمثَّل في انخفاض الحوادث المرورية وزيادة أطوال الطُّرق وأعداد المركبات، وكشفت الإحصائيات عن انخفاض أعداد الحوادث المرورية في السَّلطنة بنسبة (60) بالمئة خلال السَّنوات الخمس الماضية (2017ـ2021م)، مُتراجعةً من (3) ثلاثة آلاف و(845) ثمانمئة وخمسة وأربعين حادثًا بمعدَّل حادث مروري كُلَّ (3) ثلاث ساعات في نهاية عام 2017م، لتصل إلى ألفٍ و(539) خمسمئة وتسعة وثلاثين حادثًا بمعدَّل حادث مروري واحد كُلَّ (6) ستِّ ساعات في نهاية عام 2021م، وهو مؤشِّر جيِّد يرصد التطوُّر، لكنَّ المأمول يسعى إلى تقليل العدد بشكلٍ أكبر، ويبقى وعْيُ المواطن هو الرِّهان الأكبر في سبيل تحقيق ذلك. فرغم الانخفاض الكبير الذي تجاوز النِّصف، إلَّا أنَّه لا يزال هناك وفق الإحصائيات، إصابة ألفٍ و(621) ستِّمئة وواحد وعشرين مصابًا، و(434) أربعمئة وأربع وثلاثين حالة وفاة بنهاية عام 2021م، فكم من أُسرة تفقد زهرة أبنائها وعائلها بسبب السرعة والتي لا تزال هي المُسبِّب الأكبر للحوادث بـ(820) ثمانمئة وعشرين حادثًا مروريًّا وبنسبة (53.3) بالمئة من إجمالي الحوادث المرورية عام 2021م، يليها سوء التصرف في (282) مئتين واثنين وثمانين حادثًا، والإهمال في (153) مئة وثلاثة وخمسين حادثًا، تلاها عدَم ترْكِ مسافة الأمان الذي تسبَّب في (122) مئة واثنين وعشرين حادثًا، ثمَّ التجاوز الذي تسبَّب في (56) ستة وخمسين حادثًا. أمَّا العيوب في المركبة فقد كانت السَّبب وراء (41) واحد وأربعين حادثًا، فيما وقع (65) حادثًا مروريًّا نتيجة لأسباب أخرى وذلك بنهاية 2021م. فتلك الأرقام تشير إلى أنَّه رغم التقدُّم، لا يزال الطريق طويلًا لوقف نزيف الدماء على طرقات البلاد، فخطأ شخص قد يدفع ثمنَه العشرات دُونَ ذنبٍ أو جريرة، لذا علينا جميعًا الالتزام بقواعد المرور، برقابة ذاتية مدفوعة ممَّا تُخلِّفه تلك الحوادث من أضرارٍ وتبعات على الفرد والمُجتمع.