والمتتبع لخطوات الصين يرى انتشارها الواسع حول العالم وإنشاء قواعد عسكرية في العديد من البلدان في آسيا وإفريقيا، بل وصل الأمر أنها استبدلت ديونها بشراء أماكن استراتيجية في تلك البلدان، لتستطيع التحكم وقتما تشاء وحسب تطور الأحداث..
اتضاح رؤية الحرب الدائرة في أوروبا وما قبلها الصراع الاقتصادي الأميركي الصيني والتي تعبر جميعها عن أننا أمام حرب عالمية دائرة بالفعل ومع الوقت تكبر مثل كرة الثلج، لتتضح لنا العلاقات الدولية الجديدة التي دخلت عصرا جديدا قد ينهي زمن القطب الواحد، بخطوات تتحقق يومًا بعد يوم وجاهزة للتبلور كلما تسارعت الأحداث، بل في الذهاب لأكثر من ذلك بأنها أصبحت جاهزة بالفعل ودخلت حيز التنفيذ، بعد اتضاح الرؤية على أرض الواقع، وبدايتها التدريجية ما نشاهده بعد أن انقسم العالم إلى جزءين؛ جزء منه يحاول تدبير الأشياء الضرورية لتسيير الحياة، والجزء الثاني بتطوير تحالفاته استعدادًا لما هو قادم من تطورات متسارعة “للحرب العالمية الثالثة”. الجزء الأول وهو دول العالم الثالث التي تعتمد اعتمادًا شبه كلي على الموارد الخارجية والمساعدات الدولية، وهو جزء لا حول له ولا قوة، هو مجرد أداة ورد فعل وتنفيذ أوامر للدول التي تدير أمور العالم، وهذا الجزء شهد بعض الاحتجاجات والفوران على القائمين على شؤونه، ولم تتسع بعد دائرته القطرية لتشمل العديد من الدول الأخرى التي تصارع مطالب الحياة واحتجاجات الشعوب.
اعتمدت الولايات المتحدة في صراعها القائم الآن، ومنذ بداية الحرب الاقتصادية مع الصين، وتفاعل الحرب الروسية الأوكرانية في أوروبا، على تقوية تحالفاتها وضم دول أخرى في حلف الناتو “فنلندا والسويد”، وهو ما كان مطلبًا رئيسًا من قِبل روسيا “بوقف إضافة دول أعضاء جديدة إلى الناتو”، وتسعى أميركا أيضا جاهدة للتفكير في إنشاء حلف مشابه في المحيط الهادئ، وإثارة القلاقل في المناطق الساخنة، وكانت زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي إلى تايوان وبعض البلدان في آسيا لهذا الغرض. وقد توقع البعض أن تقع الصين في هذا الفخ ويتكرر المشهد الدائر في أوروبا بين روسيا وأوكرانيا، هذا بخلاف إجبار دول العالم الثالث في الانصياع لإرادتها برفع سعر الدولار مما يساعد في اضطرابات اقتصادية وزيادة التضخم، واتخاذ هذه الدول سياسات تعجيزية متمثلة في ديون جديدة تجبرها على القبول بالسيناريو المطلوب منها، والانضمام إلى الجانب الأميركي الأوروبي في صراعه. وبالنسبة للتجهيزات العسكرية، فقد طورت أميركا منظومة دفاع صاروخي عالمي ونشر عناصره في مناطق مختلفة من العالم، إلى جانب بناء قدرات أسلحة غير نووية عالية الدقة، فيما تتبع الصين وروسيا سياسة أكثر شعبوية ضد الهيمنة الأميركية، ويتميز تحركهما بعدم الإعلان عن خططهما إلا بعد أن يتم إنجازها. وفي الكثير من الأوقات يكون الإعلان مجرد كشف عما تحقق فعليا. والمتتبع لخطوات الصين يرى انتشارها الواسع حول العالم وإنشاء قواعد عسكرية في العديد من البلدان في آسيا وإفريقيا، بل وصل الأمر أنها استبدلت ديونها بشراء أماكن استراتيجية في تلك البلدان، لتستطيع التحكم وقتما تشاء وحسب تطور الأحداث، ولم يكن هذا من قبيل الصدفة، بل هي استراتيجية الصين الطويلة في إعادة إحياء طريق الحرير والتمدد الاقتصادي وحماية مصالحها عسكريا، كما استطاعت في تطوير قدراتها في المجال الفضائي والعسكري، عن الجانب العسكري الروسي الذي أصبح متفوقا في مجال الحرب التقليدية خلال وجودها في سوريا مع تطوير قدرتها على تعطيل أجهزة التواصل وأنظمة التحكم على المدمرات الأميركية وتوسيع الدائرة المحظورة على أجهزة التواصل والتحكم التابعة للناتو إلى 300 كيلومتر، وهي طريقة فعالة لتدمير الأقمار الصناعية.
كل هذه التجهيزات وتوسيع التحالفات استعدادا لوجستيا لما سيسفر عنه الصراع القائم عسكريا واقتصاديا سيحدد الشكل العام للنظام العالمي الجديد، وهذا ما يؤكد أن نظام القطب الواحد إلى زوال أيًّا كانت نتيجة الاضطرابات السائدة في العالم الآن.

جودة مرسي
[email protected]
من أسرة تحرير «الوطن»