حقَّقت سلطنة عُمان نقلة وقفزة كبيرة في أدائها المالي، على الرغم من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية الكبرى التي مرَّت بها والعالم، خصوصًا في السنوات الثلاث الأخيرة، أبرزها تداعيات جائحة كورونا (كوفيد19)، التي احتاجت خططًا وبرامج دقيقة، توازن بَيْنَ جهود البلاد لضبط أدائها المالي وتخفيض الدَّيْن، وبَيْنَ الواجبات الاجتماعية التي فرضتها الأوضاع الجديدة، وتضرُّر العديد من أفراد المُجتمع والأطراف الاقتصادية جرَّاء الإجراءات الاحترازية الضرورية التي اتخذت أثناء الجائحة. وكانت الرؤية السَّامية الثَّاقبة لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ وتوجيهاته نبراسًا أضاء الطريق، واستطاعت البلاد بفضل الإدارة الحكيمة الخروج من عُنق الزجاجة، عَبْر خطط وبرامج وسياسات اقتصادية ومالية ناجعة، عالجت الخلل المالي المتراكم، وعملت على تخفيض الدَّيْن، وفق سياسة مالية مزجت بَيْنَ السَّعي نَحْوَ إعادة الاقتصاد العُماني إلى سابق عهده، والالتزام الاجتماعي والاقتصادي نَحْوَ الفئات الأكثر تضررًا.
ولعلَّ أبرز النجاحات التي حقَّقها الاقتصاد العُماني أثناء وبعد الأزمة، هو وضع خطط عاجلة مِثل خطَّة الإنقاذ والتوازن المالي (2020 ـ 2024) متوسطة والتي سَعتْ إلى الوصول بالوضع المالي إلى مستويات الاستدامة، وقد حقَّقت الخطَّة العديد من أهدافها واستطاعت تحقيق العديد من المآرب، دُونَ أنْ تخرج عن سياق تطبيق رؤية “عُمان 2040” التي انطلقت بالتزامن مع إطلاق خطَّة الإنقاذ، مع بدء تطبيق الخطَّة الخمسية الحادية عشرة، والتي تسعى لإحداث التنويع الاقتصادي المأمول. فالخطط الطارئة واكبت التوجُّه الوطني طويل الأمد، وعملت على وضع أُسُس اقتصادية تمهِّد للمستقبل تتَّسم بالاستدامة المالية، وتحقِّق التنمية الشاملة المستدامة، وفق أولويات محدَّدة تعتمد على ما تمَّ إنجازه، وتصحِّح المسار نَحْوَ تحقيق المزيد من الإنجازات التي تسعى إلى بناء مستقبَل واعد لأبناء عُمان في الحاضر والمستقبل، دُونَ تبعات كبرى نتيجة تلك المرحلة الانتقالية.
وبفضل هذه الخطوات الواعدة، رفعت العديد من الوكالات الدولية للتصنيف الائتماني تصنيف سلطنة عُمان الائتماني مع نظرة مستقبليَّة مستقرَّة خلال الفترة الماضية؛ نتيجة التزامها بتنفيذ إجراءات ومبادرات ضبط الأداء المالي المتَّخذة في إطار الخطَّة المالية متوسطة المدى، وارتفاع أسعار النفط والتحسُّن الذي شهدته المؤشِّرات الاقتصادية والمالية العامَّة للدولة، حيث رفعت وكالة “فيتش” التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان إلى “BB” مع نظرة مستقبليَّة مستقرَّة، فيما رفعت وكالة “ستاندرد أند بورز” تصنيف السَّلطنة الائتماني إلى”BB-” مع نظرة مستقبليَّة مستقرَّة، وعدلت وكالة “مودييز” نظرتها المستقبليَّة من سلبية إلى مستقرَّة، وتعود هذه النظرة المستبشرة، التي ستدعم جهود سلطنة عُمان نظرًا لأنَّها تعتمد على توقعات وكالات ذات مصداقية عالمية، إلى ما تمَّ إنجازه بشأن أداء المالية العامَّة وإجراءات الضبط التي أقرتها خطَّة التوازن المالي (2020-2024)، والقدرة على تقليل ضغوطات التمويل الخارجي، والجهود المستمرَّة لإصلاح المالية العامَّة، ودعم عائدات النفط المرتفعة لفوائض الميزانية في عامَيْ 2022 و2023 والانخفاض الحادِّ في الدَّيْن العام.
إنَّ رفع التصنيف الائتماني لسلطنة عُمان يُعدُّ شهادة ثقة جديدة، تؤكِّد لنا أولًا أنَّنا ماضون في الطريق الصحيح؛ بفضل القيادة الحكيمة لقائد البلاد المفدى، والتطبيق الدقيق للخطط، بالإضافة لتضافر جهود الشَّعب العُماني بكافَّة فئاته التي اتَّسمت أولًا في الثقة المطلقة، وتحمُّل بعض الأعباء الطفيفة، وهي رسالة أيضًا تؤكِّد أنَّ القادم أفضل ـ بإذن الله تعالى ـ وتستطيع السواعد العُمانية تجديد شباب نهضتهم المباركة، كما تؤكِّد هذه الخطوة والشهادة من وكالات ائتمانية ذات ثقل، أنَّ الاقتصاد العُماني بُني على أُسُس راسخة، ويملك خططًا وبرامج ستحمل الخير لكُلِّ مَنْ يسعى إلى الاستثمار الجادِّ في البلاد، ويبقى على الحكومة عدم الارتكان للنجاحات التي تحقَّقت، بل مواصلة الكدِّ وبذل المزيد من الجهد للبناء عليها، وتحقيق المستقبَل الواعد الذي يليق بعُمان وشَعبها الأبي.