أخي القارئ.. يثير هذه الشبهة الآن كثير من غير المسلمين، ويحاولون جاهدين أن ينالوا من الإسلام من هذا الجانب، وكثرت افتراءاتهم وأكاذيبهم وتشويههم للإسلام من جهة معاملته للمرأة، وفي هذا الجانب ـ إن شاء الله ـ سنبين موقف الإسلام الحنيف من المرأة، وكيف رعاها واعتنى بها.. لكن قبل أن نرد عليهم تعالوا بنا نلقي نظرة علي حال المرأة في غير الإسلام.
فمن حكمته ـ سبحانه وتعالى ـ أن خلق الأضداد، حتى لا تختلط القيم، وكي لا يستوي الخبيث والطيب.. فلولا الحَرُّ ما عُرفتِ الظلال، كما قال المتنبي:
ونذُمُّهمْ وبهم عَرَفنا فضلَهُ
وبِضِدِّها تتميزُ الأشياءُ
إذ لولا نذالةُ خصومِ الإسلام لما أدركنا فضله، ولما عرفنا قيمة هذا الدين العظيم!، وقد سبقه صاحبُ اليتيمة بتصوير هذا المعنى التبليغ في صورة لا تُضاهى حُسنًا في بيتين يُعدَّانِ من روائعِ ما قالته العربُ في الغزل:
فالوجْهُ مثل الصبحِ مِبيضٌ
والشَّعرُ مثل الليلِ مُسودُّ
ضِدَّانِ لمَّا استُجْمِعَا حَسُنَا
والضِدُّ يُظهرُ حسنَهُ الضِّدُّ
لقد كانت المرأة عند العرب في الجاهلية علی أسوأ حال، وكانت أحط من أي سلعة فحقوقها مهدورة وكرامتها ضائعة، والمجتمع لا يعترف بإنسانيتها.. وسوف نلقي نظرة عن حال المرأة في الجاهلية من خلال النقاط التالية:
1 ـ وضع المرأة الاجتماعي عند أهل الجاهلية: فلقد أبغض العربُ البنات بغضًا شديدًا، وكان أحدُهم إذا بُشِّر بمولودة أنثى علتْ وجهَه الكآبةُ والحزن، ووجد نفسه حائرًا بين أمرين: إما أن يمسكها على هون، أو يدفنها حية في التُّراب، وفي ذلك يقول الله تعالى:(وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَا يَشْتَهُونَ، وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُون) (النحل 57 ـ 59).
وهذه جملة من الأوضاع الاجتماعية السيئة التي كانت تعاني منها المرأة:
(أ) كانتِ المرأة في الجاهلية تُمسَك ضرارًا للاعتداء، وتُلاقِي من زوجها جميع ألوان الظلم والأذى ولا تستطيع أن تنكر؛ لأنها لو اعترضت ستطلق فإذا قاربت عدتها على الانتهاء ردها ثم طلقها مرة أخرى، وهكذا يتركها طول حياتها معلقة لأن الطلاق عندهم لم يكن محدودا بعدد.
(ب) وكان أحدُهم إذا أراد نجابةَ الولد حمَل امرأته ـ بعد طُهْرها من الحيْض ـ إلى الرجل النجيب كالشاعِر والفارس، وترَكها عندَه حتى يَسْتَبِينَ حملُها منه، ثم عاد بها إلى بيتِه، وقد حملتْ بنجيب!
(ج) عن ابن عبَّاس ـ رضي الله عنهما ـ قال:(كان الرجلُ إذا مات أبوه أو حَمُوه فهو أحقُّ بامرأته، إنْ شاء أمسكها، أو يحبسها حتى تفتدي بصَداقها، أو تموت فيذهب بمالِها).
فقد كان يضع ثوبه عليها قائلًا: ورثتها كما ورثت مال أبي، فإذا أراد أن يتزوجها تزوجها وبدون مهر، أو زوجها لغيره وتسلم هو مهرها.
(د) قال قتادة:(كان الرجلُ في الجاهلية يقامِر على أهله وماله، فيقعد حزينًا سليبًا ينظر إلى ماله في يدِ غيره، فكانتْ تُورِث بينهم عداوةً وبغضًا).
2 ـ كان العرب لا يوّرثون المرأة، ويرون أنه ليس لها حق في الإرث وكانوا يقولون: لا يرثنا إلا من يحمل السيف ويحمي البيضة.
3 ـ دفنها حية، ويلخص الزمخشري هذه الصورة المأساوية فيقول:(كان الرجل إذا ولدتْ له بنت، فأراد أن يستحييها ألبسَها جبَّة من صوف، أو شَعر، ترعى له الإبل والغَنم في البادية، وإنْ أراد قتْلَها تركها، حتى إذا كانتْ سداسية، قال لأمِّها: طيِّبيها وزيِّنيها، حتى أذهب بها إلى أحمائِها، وقد حفَر لها بئرًا في الصحراء، فيبلغ بها البئر فيقول لها: انظري فيها، ثم يدفعها مِن خلْفها، ويهيل عليها التراب حتى تستويَ البِئر بالأرْض، وقيل: كانت الحاملُ إذا أقربت، حفرتْ حفرة فتمخَّضت على رأس الحُفْرة، فإذا ولدتْ بنتًا رمتْ بها في الحفرة، وإنْ ولدت ابنًا حبستْه).
4ـ زواج المرأة عندهم: كان عند العرب أنواع من الزيجات الفاسدة منها: اشتراك مجموعة من الرجال بالدخول على امرأة واحدة ثم إعطاؤها حق الولد تلحقه بمن شاءت منهم فتقول إذا ولدت: هو ولدك يا فلان فيلحق به ويكون ولده، ومنها: نكاح الاستبضاع وهو أن يرسل الرجل زوجته لرجل آخر من كبار القوم لكي تأتي بولد منه يتصف بصفات ذلك الكبير في قومه، ومنها: نكاح المتعة وهو الزواج المؤقت، ومنها: نكاح الشغار وهو أن يزوج الرجل ابنته أو أخته أو موليته لرجل آخر على أن يزوجه هو موليته بدون مهر وذلك لأنهم يتعاملون على أساس أن المرأة يمتلكونها كالسلعة.
تأمل ـ أخي القارئ ـ في هذه الأوضاع المشينة لتعلم حقيقة الحالة المأساوية التي كانت تعيشها المرأة قبل أن يحررها الإسلام .. وإلى اللقاء في المقال القادم إن شاء الله.

* محمد القاضي
عضو الاتحاد الدولي للغة العربية