[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]” .. بعض الذين انتخبناهم في تونس لتولي الحكم هذه الأيام استعملوا عبارة (كل الذين ينظرون للإرهاب!) حيث حشروا تقريبا كل من يفكر بحرية ولا يوافقهم بالضرورة ضمن المطلوبة رؤوسهم وهو مثال للقوانين المطاطة التي تسنها أنظمة الاستبداد للإنفراد بمعلجة ملفات العنف حسب قانون قابل للتأويل و جاهز للتخويف حسب مصالح النخب الحاكمة لا حسب القانون العادل.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
عبارة (تبييض) أول ما دخلت في قاموسنا جاءتنا كما للغات العالم من ملوك المخدرات في (كولومبيا) و(نيكارجوا) و(المكسيك) في أواخر السبعينيات مصحوبة بعبارة (غسيل الأموال) والسر في ذلك أن أمراء العصابات المنتجة والمروجة للمخدرات في تلك البلدان فكروا في طريقة للتحيل على القوانين للتصرف في الأموال الطائلة التي يجنونها من تجارة هذه السموم فالبنوك عادة ملتزمة بقوانين الصرف والتحويل ورقابة الدولة من شرطة وجمارك ملتزمة بالتحقيق في المبالغ الضخمة التي بدأت تدور في الأسواق المالية ففكر بعض هؤلاء الأمراء رؤساء العصابات في إنشاء عدد كبير من محلات غسيل الملابس بالغسالات الكهربائية كتلك التي نراها اليوم في أغلب المدن في العالم وهكذا نشأت فكرة (التبييض) أو (غسيل الأموال) ثم تحولت العبارة إلى مصطلح في القانون الدولي والقوانين الوطنية ومنظمة أنتربول كحقيقة فرضت نفسها و كظاهرة توسعت حتى استعملت عبارة التبييض للإرهاب واستعملته أنظمة استبدادية لملاحقة معارضيها تحت هذا الشعار لقمع كل فكر حر و لجم كل لسان رافض وأحسن مثال هو ما سنه النظام السابق في تونس من قانون الإرهاب لسنة 2003 وما تضمنه الدستور المصري الجديد من فصول تحيل على المحاكم بعض الناس تحت هذا المسمى أو ما يشابهه واستغلت الحكومات الأوروبية عملية (شارلي هبدو) لتشدد قوانين الهجرة والإقامة وتعسر أكثر فأكثر من حياة ورزق الجاليات المسلمة في بلدانها وفي ذلك نوع من الاستبداد العابر للقارات لأن الفرنسي العادي ينسى بمفعول الإعلام الموجه والمضلل أن المواطن المسلم الذي يقاسمه الحياة هو مواطن كامل الحقوق والواجبات ما دام محترما للقوانين وممتثلا للتشريعات وأنه أيضا سليل أب أو جد كان مجندا في جيش فرنسا ضد النازية بل ومات من أجل فرنسا وحريتها وهو يرفع راية فرنسا المثلثة ثم هو أيضا سليل أب استقدموه من قرى تونس والمغرب والجزائر ليشيد الطرقات السريعة ويحفر الأنفاق ويبني العمارات تحت الثلوج بل ويموت في حوادث شغل أو صقيع وكان يعيش في مدن الصفيح والقصدير وينسى الفرنسي الجاهل بأن القنبلة النووية الفرنسية تم تجريبها بتفجيرها في الصحراء الجزائرية وبوضع المواطنين المسلمين الجزائريين على مسافة قريبة من التفجير بمثابة (فئران مخبرية) وهم في وطنهم حتى يحلل (علماء) الذرة الفرنسيون تأثير الاشعاعات النووية على بني أدم !! و أثار قنبلتهم الى اليوم في بعض الأجسام الجزائرية المشوهة.
كما أن بعض الذين انتخبناهم في تونس لتولي الحكم هذه الأيام استعملوا عبارة (كل الذين ينظرون للإرهاب!) حيث حشروا تقريبا كل من يفكر بحرية ولا يوافقهم بالضرورة ضمن المطلوبة رؤوسهم وهو مثال للقوانين المطاطة التي تسنها أنظمة الاستبداد للانفراد بمعلجة ملفات العنف حسب قانون قابل للتأويل و جاهز للتخويف حسب مصالح النخب الحاكمة لا حسب القانون العادل. ولو تأملنا في سلسلة الأحداث التي تعاقبت منذ 17 ديسمبر 2010 في مدينة سيدي بوزيد التونسية أي عندما أعطى المرحوم محمد بوعزيزي إشارة الانطلاق دون قصد لتونس وللعالم العربي أن يتحرك في اتجاه إستعادة كرامة المواطن سنجد أن حركة مضادة متوقعة انطلقت في نفس اللحظة لتستعيد امتيازات ومكاسب المنظومات القديمة الفاشلة لكن بتزيينها وترتيبها وتغليفها بالورق الملون وتقديمها للناس في (لوك) جديد يستسيغونه لأن الناس الطيبين عاشوا مع هزات الثورات خيبات الثورات كذلك فتقهقرت معيشتهم وزادت بطالتهم وتوسخت شوارعهم وغاب أمنهم لكنهم ظفروا بالحرية وهي المكسب اليتيم لما سمي بالربيع العربي وتدريجيا تدحرجت الحرية إلى فوضى وانتشرت عناصر الفتنة مخيفة ومهددة فقال فريق من الناس (الاستبداد أفضل من الديمقراطية!) ثم جاءت عمليات تبييض الاستبداد ما دام الاستبداد هو المطلب الجديد بعد أن طالبت الشعوب بالديمقراطية !!! وتمت عمليات تبييض الاستبداد في كل المجتمعات العربية بأشكال مختلفة تلاءمت مع طبائع تلك المجتمعات وتواريخها ففي مصر تمت بعنف نسبي أرضى القوى الإقليمية وحفظ مصالحها المهددة وفي اليمن تحولت الجماعة الحوثية من مجرد جماعة هامشية إلى قوة عسكرية نجحت في مصادرة الدولة وإقالة الرئيس عبد ربه هذا الأسبوع وفي ليبيا اختلط الحابل بالنابل في عملية انتشار أعمى للسلاح والتقتيل مما أعاد الذاكرة الجماعية الليبية لتكهنات سيف الإسلام القذافي سنة 2011 حين قال إن بعد القذافي لن تكون سوى الحرب الأهلية وفي العراق تولد حكومة من رحم حكومة لكن المعضلات باقية وينتظر العراق لا عودة الاستبداد بل عودة الاحتلال الأميركي ولو جلب معه (أبوغريب) ثانيا وفي هذا الخضم الزاخر من تبييض الاستبداد وتأبيد الاستعباد تقف شعوب بني يعرب مندهشة كئيبة وهي مدعوة لتختار بين الفوضى والاستبداد كأنما ليس هناك بديل غير الخيار بين الوباء والطاعون! حدث هذا في مجتمعات عديدة تعاني اليوم معضلات أسوأ من الدكتاتوريات البائدة حيث تجندت آليات إعلام إحترافي ومدرب لتوجيه الرأي العام نحو قبول الاستبداد مذكرة بحكمة قديمة رددها أغلب المفكرين وهي أن الجماهير هي التي تصنع الطغاة بخنوعها وليس الطغاة هم الذين يصنعون الجماهير ببطشهم.
هل هذا هو قدرنا بعد تضحيات ودماء وشهداء وتحقيق تحولات كبرى في حركة التاريخ؟ لا بالطبع فهذه الطريق المرسومة لنا لم نحددها نحن ولا هندستها لنا نخبنا إنها قرارات تتجاوز حدودنا وتقررها لنا الدول الماسكة بأمور مصيرنا برضانا أو بدونه فتروض تلك القوى إرادة حكامنا لكيلا يخرجوا من (القالب) ولكيلا يغادروا القطيع أي إن الغرب في تجلياته الأمبراطورية الصليبية الجديدة القديمة المتجددة حسب مسيرة التاريخ لا يقبل استقلال قرارنا ولا حرية خياراتنا ولا تمردنا على أنماط مجتمعاته التي فشلت ورفضها حتى الشرفاء من أبناء الغرب نفسه وتنطلق سياسات الغرب من مبدأ خطأ وهو اعتبار حضارته أرقى من حضارتنا وهذا المبدأ الخطأ هو الذي برر الاستعمار (في الحقيقة الاستخراب) ولو تقرأ كتابات وخطب (جول فيري) أب العلمانية سنة 1905 و لو تقرأ أكبر فلاسفة فرنسا (إرنست رونان) في نفس التاريخ ستدرك أن نخبة الغرب كانت تدعو جيوش الأمبراطوريات إلى احتلال بلداننا من أجل قصد شريف !!! هو ( تمديننا نحن المتوحشين!) لمجرد أننا لا نعيش مثلهم ولا نلبس مثلهم ولا نشيد بيوتنا مثلهم وكل الغاية الاستعمارية (النزيهة) هي أن نصبح مثلهم ولكن في صورة كاريكاتور مضحك لحضارتهم فهم يظلون الأصل و نظل نحن الصورة المشوهة ! ونجحت الأمبراطورية في هذا الاستبداد وزينته لنا ويكفي أن تفتح أية قناة تونسية لتسمع المتدخلين والمتكلمين والمنشطين يلثغون بلغة عجيبة هي الفرنكو- عربي وهي لهجة لقيطة هجينة وأرجوكم لا تقولوا لي إنها مجرد لغة لأن لغة شعب ليست أداة تعبير بل جوهر تفكير.