وهي آداب اجتماعية تميزت عن السوابق بما تحققه من صحة بدنبة في الفرد والمجتمع.
(1) أدب الحجر الصحي، قال الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) (البقرة ـ 243).
معاني الكلمات:(حذر الموت): احتراز من الموت، (ألوف): ما يزيد عن عشرة آلاف.
التفسير الإجمالي: سيقت هذه الآية مناسِبة لوقائع السنوات الأولى من الهجرة النبوية، حيث تشريع الجهاد وبداية الغزوات، فقال سبحانه وتعالى:(ألم تر) أي ألم ينته إلى علمك، وفي الإستفهام تعجب.
فالآية ـ كما هو المشهور من التفاسير ـ تحكي لنا فرار ألوف من بني إسرائيل من بلدهم الذي انتشر فيه مرض الطاعون، إلى بلد خالٍ منه، وذلك خوف الموت، ولم يظلوا في بلدهم، وفق الحجر الصحي حتى لا ينتشر المرض إلى بلد آخر، وبما أن في فرارهم مخالفة أمره (قَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا) ميتة رجل واحد، وهي ميتة خارجة عن المألوف، عقوبة لهم، ونكاية بهم، وليعرفوا أنه أشد من بقائهم، ولا ينفع حذر عن قدر، فالموت لا بد منه، ثم بعد مضي حقبة قصيرة من الزمن مرّ بهم نبي الله حِزقيل، فدعا لهم، فأحياهم الله سبحانه وتعالى مرة ثانية، ليستوفوا باقي آجالهم، وليعلموا آياته في بعث الأموات، فيعتبرون منها، ويتوبون إلى الله سبحانه وتعالى، (إن الله لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ) كنعمة الخلق والبقاء والرزق والدين واللسان والتكريم والتوبة والعظة وإقامة الحجج القاطعة، (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ) وكان من المنبغي أن تزيدهم نعمة شكرًا، لكن لا تزيد الأكثر منهم إلا نقمة، وعبّر بـ(أكثر) لبيان إن أكثر تلك الألوف المذكورين في القصة وصفهم مذموم.
لقد سبق القرآن الكريم والإسلام عمومًا، الأمم في تشريع الحجر الصحي، وذلك يأتي في زوايا إعجازه العلمي.
إن هذه الآية وهي تضم بين ثناياها الحجر الصحي، فيها تشجيع للمسلمين على الجهاد، وتقول إن الفرار منه فرار إلى السيء، والخسارة الفادحة، وإن كل الربح ممتثل في الجهاد، وهذا ما بيّنه الواقع، فعليهم أن يمتثلوا لأمر الله ولا يكونوا كهؤلاء الألوف الفارين.
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ ـ أي بالوباء أو بالطاعون ـ بِأَرْضٍ فَلاَ تَقْدَمُوا عَلَيْهِ، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلاَ تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ).

* علي بن سالم الرواحي
كاتب عماني