يومًا بعد يوم تؤكِّد دولة الاحتلال الإسرائيلي أنَّها عاقدة النيَّة على محاربة كُلِّ ما هو فلسطيني، فلَمْ يسلم من إرهاب هذه الدولة الرافضة لكافَّة القرارات والأعراف والمواثيق الدولية الحجر أو البَشر، بل إنَّها تشرك قطعان مستوطنيها في هذا القمع والإرهاب، حيث تُشكِّل القطعان الإرهابية أذرعًا لدولتهم وحكومتهم اليمينية المتطرفة، التي تتكفَّل بالحماية لجرائمهم على الدوام، وسط صمْتٍ وتواطؤ دولي يرفض حتى الإدانة الخجولة أو الاستنكار اللفظي، في حين أنَّه لو ارتكبت مِثل تلك الجرائم أو أقلُّ منها بكثيرٍ في مكان آخر، لوجدنا العقوبات الدولية تتوالى، وينعقد مجلس الأمن الدولي، وقد تشنُّ بعض الدول الكبرى حربًا دُونَ حتى قرارٍ دولي، ما جعل دولة الاحتلال الإسرائيلي تعيث في الأرض فسادًا، وترتكب أفظع الجرائم ضدَّ الشَّعب الفلسطيني الأعزل وتسرق المزيد من أراضيه دُونَ خوف أو وَجَلٍ، ليصبح الشَّعب الفلسطيني بأكمله رهينةً، تمارس ضدَّه دولة الاحتلال أبشع صنوف الأذى دُونَ خشية من عقوبةٍ أو تحرُّك دولي يعيقها عن تنفيذ مخططاتها التي بات يعرفها القاصي والدَّاني.
فما من يومٍ يمرُّ دُونَ أن تطالعنا الأخبار بسقوط شهيد فلسطيني أو سرقة منزل أو حرق أراضٍ أو اعتقال يطول العشرات، أو اعتداء من قِبل قطعان الاستيطان الإسرائيلي، دُونَ أنْ يحرِّك العالم ساكنًا، أو يتخذ قرارًا يجبر هذه الدولة القائمة بالاحتلال على وقف إرهابها. ولعلَّ قيام المتطرف بن غافير بشكلٍ علني وصريح بتهديد عائلة الأسير الجريح جربوع بقتل نجلها عبر اتصال هاتفي، في وقاحة وإرهاب سياسي قلَّ نظيره في التاريخ، خطوة جديدة من الإرهاب الإسرائيلي، فإذا حدث مِثل هذا التهديد في إحدى الدول الغربية أو حتى الشرقية لقُلِبت الدنيا رأسًا على عقب، ولتبارت جمعيات حقوق الإنسان بالتنديد، ورفع القضايا لإدانة هذا الموقف الذي قد يكُونُ فرديًا هناك، وليس عملًا ممنهجًا تتكامل فيه الأدوار كما في الواقع الإسرائيلي.
ورغم هذا الإرهاب الصارخ، إلَّا أنَّنا لَمْ نجد من يُدينه غير الخارجية الفلسطينية، التي رأته جزءًا من حرب الاحتلال المفتوحة على الوجود الفلسطيني ومرتكزاته الاقتصادية والمعيشية في القدس الشرقية المحتلَّة، ما يؤكِّد أنَّ دولة الاحتلال الإسرائيلي ماضية في تعميق الاستيطان وإلغاء الوجود الفلسطيني في المناطق المصنفة (ج) وفي القدس الشرقية المحتلَّة، وماضية في ضمِّ الضفة الغربية بشكلٍ تدريجي ويومي متواصل، تعجز أشدُّ العبارات والكلمات عن وصفه، فلا بُدَّ أنْ تتحمَّل حكومة دولة الاحتلال الإسرائيلي المسؤولية الكاملة والمباشرة عن هذه الانتهاكات والجرائم، ونتائجها الكارثية على فرصة تحقيق السلام وحلِّ الصراع بالطُّرق السياسية السلمية، التي انعدم الأفق لتحقيقها بسبب هذا التعنُّت الإسرائيلي الرافض لأيِّ حلول منصفة، والسَّاعي بوضوح نَحْوَ تحقيق مخططاته الإرهابية بكافَّة مراحلها، دُونَ اكتراثٍ بالقِيَم والأعراف والقوانين الدولية، التي أصبحت مجرَّد حِبرٍ على ورق.
إنَّ هذا التعنُّت الإسرائيلي لَنْ يتمَّ على أرض الواقع دُونَ صمْتِ المُجتمع الدولي أو اكتفائه ببعض البيانات الإعلامية الشكليَّة أو المواقف النظرية أو القرارات الأُممية التي لا تُطبَّق، وبقائه يتعامل بسياسة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير، التي باتت توفر الغطاء لدولة الاحتلال الإسرائيلي للإمعان في تهويد القدس ومقدَّساتها وفصلها تمامًا عن محيطها الفلسطيني وابتلاع الضفة الغربية المحتلَّة، بما يؤدِّي إلى وأدِ أية فرصة لتطبيق مبدأ حلِّ الدولتين وتجسيد دولة فلسطين بعاصمتها القدس الشرقية، ويبقى النضال الفلسطيني هو الرهان الحقيقي للذَّود عن هذه القضية المركزية لكُلِّ عربي مُسلِم، أو لكُلِّ صاحب ضمير على مستوى العالم، والذين بات عليهم تقديم كافَّة أشكال الدَّعم لأبناء فلسطين، ومطاردة مُجرِمي دولة الاحتلال قانونيًّا في جميع عواصم ومُدن العالم.