[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedbinsaidalftisy.jpg" alt="" height="60" width="60"]محمد بن سعيد الفطيسي[/author]


يقول ارنولد توينبي: ان أول خطوة من خطوات التغيير الحضاري هي الإتيان بعنصر جديد له أثره الفاعل في حضارة المجتمع، وليس ضروريًّا أن يكون هذا الإتيان من داخل الحضارة نفسها، بل يمكن أخذه من مجتمع آخر، فيرفض المجتمع هذا التغيير أو يقبله، فإذا قبله - سواء كان برضا أو بفرضه الأمر الواقع عليه - فيقوم بتعديله وتكييفه مع بيئة الحضارة الجديدة، حينذاك سيحل هذا التعديل محل عنصر حضاري قديم مألوف أصبح غير مقبول اجتماعيا وغير ملائم للظروف والأوضاع ـ الحضارية - الجديدة.
والمتمعن الحاذق للتحولات في البيئة الوطنية العمانية يشاهد بكل يسر وسهولة شكل وطبيعة ذلك التغيير الذي أحدثته وسائل ووسائط الاتصال والتواصل الاجتماعي وتناقل المعلومة عبر شبكة الانترنت على الإنسان والمجتمع والدولة، فتلك الأدوات والعناصر الحضارية الحديثة والتي تعتبر جزءا لا يتجزأ من ثقافة اجتماعية كونية عابرة للقارات، ألقت بظلالها سواء كانت إيجابية أو سلبية بالرضا أو بفرضها على الداخل الوطني بحكم القوة التكنولوجية والتقدم الحضاري، وعلى كل جزء من أجزاء الحياة بكل تفاصيلها ومكوناتها، سواء أكانت إنسانية أو مؤسساتية، لذا بات من الضروري التكيف والتعامل معها بحكمة وعقلانية وثقافة مجتمعية ورسمية واعية.
واعتبرها شخصيًّا ـ أي ـ تلك الوسائل ووسائط الاتصال وتناقل الخبر والمعلومة وفي مقدمتها الفيس بوك FACE BOOK، وتويتر TWITAR ، والوات ساب What Sapp على سبيل المثال لا الحصر، واحدة من أهم القوى الناعمة التي ستؤثر على السياسات العالمية في القرن الـ 21، وبعبارة أخرى ـ ان تلك الوسائل والوسائط الجديدة باتت تلعب دورا كبيرا جدا وجذريا وحاسما في تحويل وتغيير بناء السياسة الدولية والحياة الوطنية، وسوف يتعين على سياساتنا الداخلية ان تتكيف مع ذلك التغيير بطريقة مناسبة، فإذا ركزنا على القوة الصلبة للدول فسوف تفوتنا الحقيقة الجديدة، وهي ان المستقبل بكل أبعاده، وان أمن واستقرار الدول، وتقدم المجتمعات أو تخلفها، مرتبط بشكل وطبيعة التعامل مع شكل التغيير الذي تفرض ثقافات الحضارة المعاصرة الجديدة، والذي تتحكم بجزء كبير منه ومن تفاصيله تلك الوسائل والوسائط المعولمة العابرة للقارات.
بناء عليه فإننا مطالبون في البيئة الوطنية العمانية بشقيها الإنساني والعمراني، مجتمعية أو مؤسساتية، ضرورة التكيف والتعامل بحكمة مع الوضع الجديد الذي فرضته تلك القوة الناعمة، وان نستغلها الاستغلال الأمثل لما فيه خير وطننا وأمتنا، حاضرنا ومستقبلنا الوطني، ومن بين تلك المرئيات الخاصة باستغلال هذه الأوراق الرابحة لتطوير وتقدم أهداف التنمية الشاملة، ان تقوم كل مؤسساتنا في القطاع العام والخاص والأهلي، بفتح حساب لها على إحدى تلك الوسائل أو وسائط التواصل الاجتماعية سالفة الذكر، وخصوصا TWITAR لسهولة التعامل والتواصل مع الطرف الآخر من خلاله، وشخصيًّا مع التوجه الذي يلزم كل مؤسساتنا الرسمية خصوصا بذلك.
ومن بين الأهداف التي يمكن ان تحققها الدولة من خلال ذلك التوجه الذي يلزم كل مؤسسات الدولة بفتح حساب لها على موقع من مواقع التواصل الاجتماعي تلك، النتائج والأهداف التالية: توثيق الروابط الاجتماعية والثقافية وخصوصا توطيد الثقة بين مؤسسات الدولة والمواطنين، وهي من الضرورات الإدارية والسياسية والأمنية التي لا غنى عنها لأي مؤسسة رسمية مع المستفيدين من خدماتها، خصوصا في هذا الوقت الذي استغلت فيه نفس الوسائل لتشويه صورة الأنظمة والمؤسسات الخدمية وتأليب الرأي العام عليها، إذ صار اختراق الدول أسهل لأنها لم تعد كالصناديق السوداء.
كذلك لسهولة التواصل مع المواطنين لإنجاز معاملاتهم وإبلاغهم حيال آخر التطورات حولها، وخصوصا الفئة التي يشق عليها الوصول والتواصل مع المؤسسة الخدمية التي تحتاج لخدماتها نظرا لبعد المسافة او لأي سبب أو ظرف آخر، كذلك سرعة تقديم المعلومة الصحيحة او تصحيح المغلوط منه، أو التوجيه أو القرار للمستفيدين داخل السلطنة أو خارجها، سواء كانوا مواطنين او وافدين، وخصوصا وقت الأزمات والكوارث، ويمكنها ان تشكل حلقة وصل رائعة للجهات التي ترغب الاستفادة من آراء ومقترحات المواطنين، وخصوصا ذوي الخبرات في مختلف التخصصات وفي جميع الأوقات والأماكن.
كما أنها ـ أي تلك الوسائط ـ قد أصبحت اليوم جزءا لا يتجزأ او يمكن الاستغناء عنه من ثقافة عالمية وكونية تربط الأمم والشعوب بعضها ببعض بكل يسر وسهولة، وقوة سياسية واقتصادية ناعمة يمكن ان تستفيد منها الدول والأنظمة السياسية الحكيمة لتطوير تنميتها الإنسانية والمؤسساتية، ورفع سقف الشفافية والمصداقية الرسمية حول سياستها وخدماتها، وفي هذا السياق يقول جوزيف .س. ناي وهو عميد معهد كندي لأنظمة الحكم في جامعة هارفرد حول أهمية القوة الناعمة ودورها في تشكيل الحضارة الراهنة والمستقبلية، والتي تشكل جزءا كبيرا منها مصادرها وسائط ووسائل التواصل الاجتماعي الراهنة كالفيس بوك FACE BOOK، وتويتر TWITAR ، والوات ساب What Sapp ما دفعنا للقول بضرورة إلزام مؤسساتنا الحكومية فتح حساب لها على واحد منها للاستفادة مما تقدمه من خدمة تسهيل التواصل مع المجتمع.
يقول جوزيف .س.ناي : عندما تحتوي ثقافة بلد ما ـ وخصوصا الرسمية منها ـ على قيم عالمية، ويروج سياساته قيما ومصالح يشاركه فيها الآخرون من خلالها، فإنه يزيد من إمكانية حصوله على النتائج المرغوبة بسبب علاقاته التي يخلقها من الجاذبية والواجب والشفافية والمصداقية، فالقيم الضيقة والثقافات المحدودة والمغلقة يقل احتمال إنتاجها للقوة الناعمة.