إن كل الاحتمالات قائمة بشأن الخلاف الأميركي الصيني بشأن تايوان، والمرعب حقًّا وقوع مواجهات عسكرية؛ لأنها »;لن تكون نزهة»;. فقد توقع البعض، ومنهم وزير الخارجية الأميركي الأسبق، والضليع بالسياسات الدولية، هنري كيسنجر «تنامي الصراع بين أميركا والصين..
سياسة النَّفَس الطويل وضبْط الردِّ بما لا يسمح بانفلاته وبلا حدود، هي النهج الذي سارت عليه جمهورية الصين الشعبية منذ استقلالها عام 1949 وتحريرها من الاستعمار الياباني وغيره على يد مؤسِّسها (ماوتسي تونج). فظلَّ ردُّها على الأطراف المعادية لها منذ ذلك التاريخ، مضبوطًا تحت سقف التصعيد المقبول ودون انفجارات كبرى. وبالتالي بأقلِّ الأضرار المُمكنة، خصوصًا وأن الصين الشعبية كانت بحاجة للمرونة في تعاطيها مع قضايا الحلبة الدولية بالرغم من دعمها وإسنادها لحركات التحرر الوطني في العالم ومنها منظمة التحرير الفلسطينية، حيث كانت الصين الشعبية الدولة الأولى في العالم التي اعترفت بالمنظمة نهاية العام 1964. وفي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي كانت الصين الدولة المعزولة الأولى في العالم أكثر بكثير من الاتحاد السوفييتي. وقاتلت الصين الشعبية في حربين ضد الولايات المتحدة الأميركية، في شبه الجزيرة الكورية عام 1953، وفي فيتنام وإعادة تحريرها وتوحيدها، وغذَّت الثورات ضد رأسمالية الغرب في العالم النامي.
ومنذ أكثر من أربعة عقود، وتحديدًا منذ رحيل مؤسس الصين الشعبية (ماوتسي تونج) ورئيس الوزراء (شو إن لاي) في العام نفسه عام 1976، وسياسة الانفتاح التي قادها (تنج سياو بينج)، باتت السياسة الصينية الخارجية، وحتى الداخلية، متقنة، ومدروسة بعناية فائقة، حيث توجَّهت كل الجهود باتجاه التطوير الاقتصادي، والتوازن في العلاقات الدولية، وتجنب الصراعات المكشوفة والمدوية مع باقي الأطراف الدولية خصوصًا الولايات المتحدة الأميركية، إضافة لتصحيح مسار العلاقات الصينية مع الاتحاد السوفييتي السابق بشأن شروحات التباينات النظرية الأيديولوجية بينهما.
من هنا، كانت القضايا المُعلقة والتي تَمسُّ الصين الشعبية وسيادتها الوطنية في بحر الصين وصولًا لمنطقة هضبة التبت (هونج كونج، جزر ماكاو، تايوان...) محل اهتمام صيني عالٍ من بكين دون الدخول في معارك مكشوفة مع الأطراف المعادية، وترك الأمور للبحث والمتابعة عبر قنوات الميدان السياسي والدبلوماسي.
لكن، جاءت مؤخرًا، الاستفزازات الأميركية بزيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي، إلى العاصمة التايوانية تايبيه (تسمى تايوان بالصين الوطنية) نهاية يوليو ـ تموز 2022، لتعيد توسيع الشرخ بين بكين وواشنطن، حيث ما زالت واشنطن “تلعب بالنار” في مسار تلك العلاقة ـ حسب تعبير البعض من المراقبين الصينيين ـ وبعلاقاتها اليومية التي لا تنقطع مع تايوان خصوصًا في الجانب العسكري بمواجهة بكين، فقد عززت الولايات المتحدة “قاعدة هوالين” الجويَّة الرئيسية على الساحل الشرقي الجبلي لتايوان، والأسلحة المحمولة على طائرات الـ”إف-16”، ومنها صواريخ “هاربون” المضادة للسفن، والتي تصنعها شركة “بوينج” الأميركية. إضافة لتشجيع استمرار الميول الانفصالية للتايوانيين عن وطنهم الأُم الصين الشعبية. وقد أعطت كل تلك المواقف الأميركية مفاعيل سلبية وتصعيدًا غير محسوب النتائج ما زالت وقائعه قائمة حتى الآن. فقامت بكين بالردِّ السياسي على المستوى الدولي لشرح موقفها، إضافة لتكثيف وتوسيع مناوراتها العسكرية برًّا وبحرًا وجوًّا، وهي المناورات الأكبر من نوعها على الإطلاق، في محيط جزيرة تايوان، كما لو أنَّها محاكاة لمعركة وشيكة. وقام الجيش الصيني بإجراء أكبر مناورات عسكرية في تاريخه حول تايوان. وبإطلاق صواريخ باليستية فوق الجزيرة من نوع”PHL 16”.
في هذا السياق، وفي إطار الحركة السياسية، يتوقع وفق المراقبين والمتابعين، أن يتم عقد لقاء بين الرئيسين الصيني (شي جين بينج) والأميركي (جو بايدن) في إحدى الدول الآسيوية (الاحتمال المُرجح في إندونيسيا) في تشرين الثاني ـ نوفمبر 2022 المقبل؛ وذلك للبحث في الأمور المشتركة ولخفض التوتر في منطقة بحر الصين حيث تجوب الأساطيل الأميركية.
إن كل الاحتمالات قائمة بشأن الخلاف الأميركي الصيني بشأن تايوان، والمرعب حقًّا وقوع مواجهات عسكرية؛ لأنها “لن تكون نزهة”. فقد توقع البعض، ومنهم وزير الخارجية الأميركي الأسبق، والضليع بالسياسات الدولية، هنري كيسنجر “تنامي الصراع بين أميركا والصين، معتبرًا أن الأمر يُمكن أن يحوِّل العالم لأسوأ مما كان عليه بعد الحرب العالمية الأولى. معتبرًا أن البلدين لديهما القدرة على تدمير العالم”.
أخيرًا، صحيح أن الصراع على تايوان تقوده الصين الشعبية لإعادتها إلى الوطن الأُم في نهاية المطاف، كما حصل مع (هونج كونج)، و(جزر ماكاو). لكن الولايات المتحدة تبحث أيضًا عن مسائل وقضايا اقتصادية مشتركة مع تايوان الانفصالية، فأكثر من نصف أسطول الحاويات في العالم يمرُّ عبر مضيق تايوان، إضافة إلى 240 سفينة يوميًّا، فضلًا عن حركة الطيران المدني. ووفق خبراء اقتصاديين، أثَّرت التدريبات العسكرية الصينية بشكل كبير على الأسواق، وهو ما ولَّد قلقًا في الأسواق المالية.
إنها، الزيارة، القنبلة السياسية لـ(تايبيه) عاصمة تايوان، التي ألقتها نانسي بيلوسي، فأحدثت هذا الضجيج، والنبش المستجد لملف بحر الصين، ومسألة تايوان.

علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك
[email protected]