[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]

حاولنا في الجزء الأول من هذا المقال أن نلفت الانتباه السياسي لخطورة عودة التصرفات الوزارية،، الفردانية،، التي تنشئ حقا ـ ماليًّا أو معنويًّا - لفئة أو جماعة دون أخرى، وحددنا حالات معينة، لم نشأ الكشف للفهم العام عن المزيد من ماهيتها، لأنها رسالة موجهة لخواص الخواص المعنيين بتنظيم المجتمع واستقراره، ولأنها ذات حساسية مفرطة جدا، وذلك في محاولة منا لرصد ما قد يستجد من إكراهات جديدة وما يتجدد من قديمها في الحقول المختلفة التي يمكن أن تؤثر على الاستقرار في بلادنا من أي نوع كانت، ومهما كان حجمها، ومن يكون وراءها، فقد رأينا تداعيات الصمت إلى اين كاد أن يقود بلادنا عام 2011 لولا التدخلات السياسية العاجلة والفورية لعاهل البلاد ـ حفظه الله ورعاه ـ التي فككت مفاعيل الاحتقان عند الشباب وأطلقت الأمل في فضائنا الواسع، وعمت خيراتها كل العمانيين.
بينما تناولنا في الجزء منه، استشراف خطورة الإساءات المتكررة حتى لو كانت بغير قصد على إثارة البعد الثيولوجي (الديني) في الذهنيات الاجتماعية العامة، واعتبرناه من أهم الإكراهات القديمة الجديدة للدولة العمانية، وفي الجزء الثالث من هذا المقال المفتوح، سنتوقف عند إكراه مستجد داخلي أيضا، قد يتقاطع معه مجموعات إكراهات خارجية رغم أنه محدود،، الممارسة ،، حتى الآن، إلا أنه له تأثير من العيار الثقيل، ولن يظل محدودا اذا لم نتدخل فورا في وضع حد للجوء بعض النخب الفكرية والثقافية إلى المساس ببعض الرموز الدينية والسماح لأنفسهم بالحديث والكتابة في بعض وسائل اعلام محلية وأجنبية عن قضايا قد تؤجج الخلاف المذهبي، وبالتالي لا بد من تدخل الدولة العاجل، لأننا لم نعد نراهن على الوعي النخبوي والسياسي بعد ممارستين من العيار الثقيل، فهما لوحدهما فقط قد تخرجنا عن قدسية التعايش المذهبي في بلادنا، وهذا اتجاه أو بالأحرى توجه رغم فرديته ومحدوديته الا أنه يمس خطرا احمر، لا ينبغي السماح لأنفسنا بتجاوزه مهما كانت قدراتنا وامكانياتنا في التجاوز أي بصرف النظر عن وجود قوة تردع أو تحمي مثل هذه الخطوط الحمراء، ولو تمعنا فيه قليلا، فسوف نجد مثل هذه التصرفات لا تنم عن وعي بالظرفية الزمنية والمحتوى المكاني،، خليجيا وعربيا ودوليا،، اللذين تمر بهما بلادنا منذ عام 2011 ، ولا تنم كذلك عن إدراك أصيل بمحاصرة المذهبية الإقليمية لحدودنا الوطنية وتموقعها وسط مذهبيتين متصارعتين من ثلاث جهات حدودية لبلادنا، كما لا تنم عن معرفة بالصيرورة الثنائية المتلازمة، وهي أن لكل فعل ردة فعل، عاجلا أم اجلا، فمن ينال رمزا أو فكرا مختلفا معه، فعليه العلم بردة الفعل المقابلة والغاضبة، وهكذا سندخل في جدال لا نهاية له، وقد يقودنا إلى أتون صراع تحت الأرض وفوق الأرض، كل الاحتمالات الكبيرة واردة إذا سمحنا لأنفسنا اللعب بورقة المذهبية عبر الصحافة والفضائيات، ومن الأهمية الوطنية التساؤل عن السبب والدافع اللذين يقفان وراء سلوك بعض النخب الآن؟ لا نملك الإجابة الفورية على هذا التساؤل، لكنه يعني لنا شئيا مهما، وهو أن التعايش المذهبي في بلادنا لم يكن نتيجة إكراه سياسي أو أمني مفروض بالقوة، أو أن القوة هي المصدر الأول في فرضه، لو كان كذلك، فما ظهرت مثل هذه النخب الآن، وهذا يجعلنا نبحث عن الأسباب الحقيقية للتعايش المذهبي في بلادنا، وهو ما يمكن ارجاعه إلى عملية التأسيس والتكوين الذهني والتربوي والتعليمي، فمناهجنا الدراسية ومساجدنا، لم تؤسسنا على عداوة المذهب الآخر ولا على اصحابه، وإنما قبول الآخر ضمن الدين الواحد،، عقيدة وعبادة،، في إطار البلد الواحد، والسلطة الواحدة، وهذا ما يميز بلادنا عن غيرها من دول المنطقة التي تتأسس ذهنية جيلها على التكفير وعداوة الآخر، بل واستباحة دمه رغم أنه يشهد بالإسلام، وماذا كانت نتيجة ذلك التأطير والتأسيس في بلادنا؟ كان التعبد لله عز وجل في مسجد واحد، والتزاوج من مختلف فئات المذاهب .. وواجبات انصار كل المذهب الاجتماعية واحدة ومشتركة.. فهل هناك من يريد أن يخرجنا عن هذه الوحدة الواحدة المتحدة رغم خصوصياتها؟ ولماذا ؟ ومن وراءه ؟ تساؤلات تطرحها سياقات هذا التحليل وتتبع مساراته الموضوعية، من هنا يمكن القول إن التعايش المذهبي هو خيار اجتماعي في الأساس لضرورات التعايش رغم الاختلاف مما يضفي عليه اي الاختلاف خصوصية بشرية متناغمة، لم تلجأ ابدا إلى اتباع اساليب الجذب والاغراء من أجل التحول المذهبي كما تفعل دول وجماعات، وتستغل حالة الفقر والحاجة بغية الإغراء المذهبي .. وكان التزام كل مذهب بحدوده الفكرية واتباعه في بلادنا، ركنا اساسيا ثانيا من اركان التعايش وديمومته، وبالتالي، فالتعايش المذهبي خيار اجتماعي بامتياز حتى في حالة التأطير والتأسيس الفكري الجديد الذي نجم عن ذهاب المئات من أبنائنا للخارج للتأطير الديني في الخارج، يظل التعايش خيارا اجتماعيا تحرسه قوة القناعة الاجتماعية وليست الأمنية ولا السياسية على الأقل في المقام الأول، وربما يكون قد وقعنا في خطأ استراتيجي بإغلاق مؤسسة للتأطير والتأسيس الديني في محافظة ظفار في التسعينيات، ونستمر في الخطأ نفسه عندما تم اعادة فتحه بإمكانيات متواضعة جدا لن ترتقي حتى إلى مستوى التأهيل الثانوي رغم ان التوجيهات السامية تشير بصورة واضحة وقاطعة إلى اقامة المؤسسة الجامعية وليس الثانوية ـ يراجع مقال لنا سابق.
الشيء الذي نود التأكيد عليه بصوت مرتفع، أن التعايش المذهبي في بلادنا يظل خيارا اجتماعيا، ويقتنع الكل بضرورة أن تحميه القوة الاجتماعية رغم وجود بعض الإشكاليات في المساواة .. ومثل الاشكاليات لا ولن تكون مبررا للخروج من ذلك الخيار.. لكن على الدولة أن تسارع في حل مثل الإشكالية سريعا، لأن نرى فيها إكراها مستقبليا لا بد من ادارته منذ الآن، ومن الحكمة والعقلانية ومصلحة التعايش أن نتوقف عن ردة الفعل للفعل الذي فجره كاتب صحفي مؤخرا في احدى صحفنا المحلية، وفي المقابل، ينبغي العمل على ضمان عدم تكرار مثل هذه الممارسات .. فليس من المصلحة الوطنية العليا أن ننقل صراعات الخارج إلى الداخل .. فماذا يفيد تعايشنا المذهبي لو فعلنا نحن النخب الفكرية والثقافية مثل نظائرنا في الخليج في البحث عن دوافع اقبال الشباب الخليجي على القتال مع داعش أو النصرة .. وإرجاع ذلك لفكر أو لأفكار عالم ديني له انصار ومؤيدون في كل دول المنطقة ؟ فهذه قضاياهم .. ومن الذكاء ان لا ننجر معهم بحجة ابداء الرأي.. فإبداؤه يجعلنا طرفا في الصراع رغم عدم وجود شباب لنا في قضية داعش او النصرة أو أية جماعة أخرى .. ايها المثقفون ويا علماءنا ويا مفكرينا انتبهوا .. ولا تجرونا لمستنقع يتمنى الكثير من الخارج، وربما يعملون من أجله بغية وقوعنا فيه .. فملعون، ملعون، ملعون، من يثير فتنة، بنص حديث شريف على صاحبه أفضل الصلاة والسلام، فبلادنا في اعظم النعم .. فلنحافظ عليها بوعي ضرورات التعايش، وبإدراك مخاطر المساس به في ظل صراع دموي لأيديولوجيتين تحيط بنا من الجهات الحدودية الثلاث .. فمسئولية الحفاظ تقع اولا على النخب والمفكرين .. فهم القادة الذين اصبحوا يقودن الرأي العام .. فقيادتنا يجب أن تنصب على ديمومة وترسيخ التعايش المذهبي لا فتح ثقب في جداره .. للموضوع تتمة .. نعتذر عن مقال الاربعاء المقبل بسبب سفرنا للخارج.