من هنا تكمن خطورة الصراع بين الطرفين وانعكاسه مقابل انسداد وجمود سياسي بانتظار رافعة للحل قد تكون إقليمية أو ربما أممية بعد أن دخلت على خط الأزمة ممثلة الأمم المتحدة في العراق..

يجمع الكثير من المتابعين لتطورات الأحداث في العراق على أن هذا البلد مقبل على منحدرات قد تدخله في أتون صراعات، ربما لا يمكن الخروج منها بدون خيار استخدام السلاح، الذي بات يلوح بالأفق من فرط الاستعصاء السياسي الذي يخيم على المشهد السياسي برمَّته؛ جرَّاء تمسُّك طرفي الصراع بموقفهما إزاء الحل المنشود.
وما يجري في العراق ليس فوضى منضبطة ـ كما يتداول ـ وإنما كسر إرادات بين الذين يقفون خلف الباب بانتظار فتحه، ويؤذن لهم بالدخول إلى رحاب أفق مفتوح النهايات من فرط الجمود السياسي، وانسداد فتحاته الضيقة في الوقت الحاضر.
وعلى الرغم من أن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر يواصل خيار التصعيد إلى حدِّ خيار إعلان العصيان المدني وشلِّ الحياة في المحافظات، وصولا إلى بغداد، فإن المتداول بين أركان الطبقة السياسية المأزومة انتظار خطوة واحدة حتى إذا كانت ناقصة تكسر حاجز الانسداد السياسي؛ لأنها قد تكون رافعة قد تأذن بدخول المتصارعين إلى فضاء تقاسم السلطات مجددا على وفق ما جرى بعد احتلال العراق.
إن نبرة التصعيد بين حلفاء الأمس أعداء اليوم ـ رغم انعكاس مدياته على خيار الشارع ـ لم تصل إلى حد نسف وإسقاط ما جرى بين هؤلاء من تفاهمات ومحاصصات وتقاسم المغانم وتبديد ثروات العراق؛ لأن مخاطر تجويع وإفقار العراقيين ليس في وارد المتخاصمين؛ لأن هذا الخيار سيكشف حقيقتهم وينزع عنهم الشرعية مكشف ستار الكذب والتضليل والكسب غير المشروع؛ لأن هؤلاء كما وصفهم الكاتب العربي الراحل محمد حسنين هيكل في معرض رؤيته لما جرى للعراق بعد احتلاله بالقول (إنهم مجموعة من اللصوص سطت على بنك وسرقوا ما فيه).
فمن غير المعقول أن يتحول الحوار بين المتخاصمين إلى العلن وخروجه من كواليس الوهم والدهاليز والغرف المظلمة وعرض ما يدور بداخلها من فضائح أمام أنظار الجمهور.
من هنا ندرك أنه مهما علت صيحات المتظاهرين والمعتصمين، ووسعوا من رقعة وقفاتهم، فإنها لن تنال من بنية النظام السياسي الذي فقد صلاحيته وتهرأ من فرط استخداماته التي أودت بالعراق إلى القاع الذي يتخبط به منذ 2003 وحتى الآن.
واستنادا إلى هذه المعطيات التي تحكم بنية النظام السياسي الطائفي، وضرورة ترسيخ مفاهيمها في الحياة السياسية، فإن الحسم قادم والأيام ستكشف اتجاهاته مهما علت نبرة التصعيد والوعيد والتخوين بين أركان النظام السياسي؛ لأن الفوضى لا تنتج إلا فوضى، ربما يصعب تحديد مساراتها واتجاهاتها، في ظل أزمة الثقة والتخوين والصراع بين من يدير بوصلتها.
من هنا تكمن خطورة الصراع بين الطرفين وانعكاسه مقابل انسداد وجمود سياسي بانتظار رافعة للحل قد تكون إقليمية أو ربما أممية بعد أن دخلت على خط الأزمة ممثلة الأمم المتحدة في العراق جين بلاسخارت التي طافت على مكوِّنات الأزمة، في محاولة حتى الآن لم يتضح محتواها، وهو الأمر الذي حذرت منه قوى عراقية لا ترغب بتدخل دولي للمساعدة في الحل.
ومهما اكتظت مساحة الصراع بالمبادرات والمساعي المحلية والإقليمية والدولية، فإن حال العراق يحتاج إلى رافعة وطنية تخرجه من اشتراطات وموجبات النظام السياسي وتقاسم السلطات وفق نظام المحاصصة؛ لأن ما يجري في العراق هو سبب ونتيجة لفشل هذا النظام الذي بات لا يصلح وعائقا أمام الحلول التي تسعى للخروج من نفق الأزمات والصراعات المتواصلة منذ 2003 وحتى الآن.

أحمد صبري
كاتب عراقي
[email protected]