من جهة أخرى، وجد بأن الاتصال بأشخاص آخرين يحمي بشكلٍ كبير من جميع أنواع الألم. فالدعم الاجتماعي ندركه جميعًا وكيف أنه يخفف من أعراض الألم الجسدي.
في فترة ما تسمع من بعض، من هم حولك، شكوى ألم الظهر. ربما لإصابة ما قد ألمَّت بذلك الفرد، فأدَّى إلى وجع خفيف. عندها قد يقدر الشخص أهمية تلك الإشارات التي يرسلها الألم، فيبدأ بالاهتمام بألمه. ولأنَّه ـ بلا شك ـ يرغب في أن يكون قادرًا على المشي بشكلٍ مستقيم لبضعة عقود أخرى ولا يريد المخاطرة بإصابة دائمة. ومع ذلك، فهو حتمًا لا يستمتع بذلك الألم، وكان يتناول مسكنًا لتخفيف انزعاجه!
وبشكلٍ ما فآلام الظهر أمر شائع، لكنَّ هناك نوعًا مختلفًا من الأذى يكون أكثر شيوعًا في حياتنا، وربما في حياة ذلك الفرد ألا وهي: المعاناة النفسية. وهنا لا أعني الاكتئاب أو القلق، الذي يتطلب تدخلًا مهنيًّا، بل أعني الطحن الروتيني المزمن للصراع وعدم الرضا والحزن، والتي غالبًا ما تشكِّل وجعًا خفيفًا في خلفية أيامنا هذه!
ولعلَّني أجد ـ نفسي مستنتجًا ـ هنا فأقول إن معظم تلك الآلام قد تكون مرضًا واحدًا له أسماء عديدة من الناحية العصبية! حيث أشارت إحدى الدراسات الطبية إلى أن الألم الجسدي ينشط عدَّة أجزاء من الدماغ، لا سيما القشرة التي يطلق عليها القشرة الحزامية الأمامية، فوجد علماء الأعصاب أن أدمغتنا تعاني من الألم العاطفي في نفس المكان!
وهذا يقودنا إلى نقطة جوهرية ومدركة، وهي أن الألم الجسدي يتكون من جزءين أساسيين: المكوِّن الحسي (الإحساس الجسدي) والمكوِّن العاطفي (الإدراك غير المرغوب أو المكره). وهنا يشترك الألم النفسي في هذا المكوِّن الثاني، ولعلَّنا لاحظنا ذلك في واقعنا أحيانًا. ألَمْ تلاحظ فردًا ما أضحى يعاني من صداع شديد لأوَّل مرَّة في حياته فقط بعد وفاة قريب له وبشكلٍ غير متوقع؟!
وبالتالي سواء كان ذلك الألم علامة تحذير مفيدة أو مجرد إزعاج، يمكن للألم النفسي أن يعيق حياتنا. وربما الحيلة هنا، هي بجعلها قابلة للإدارة بأمان، دون محوها تمامًا، كالتي تفعلها بعض مسكِّنات الألم (الخفيفة) مع الأوجاع اليومية، خصوصًا وأن الكثير من المعاناة النفسية لها مظاهر جسدية. فعندما تشعر بالقلق أو التوتر ـ على سبيل المثال ـ قد تميل إلى شد عضلات بطنك، بينما الناس الآخرون يتنفسون بسطحية أو يضغطون بقبضاتهم... أوَليس كذلك؟ وهكذا تساعدك ملاحظة مثل هذه العلامات الجسدية في إدارة المشاعر التي تسببها بفعالية.
من جهة أخرى، وجد بأن الاتصال بأشخاص آخرين يحمي بشكلٍ كبير من جميع أنواع الألم. فالدعم الاجتماعي ندركه جميعًا وكيف أنه يخفف من أعراض الألم الجسدي. لا سيما وأن الدراسات الطبية أثبتت أيضًا بأن الأشخاص الذين لديهم دعم اجتماعي أكثر، لديهم استجابات أكثر اعتدالًا لهرمون الكورتيزول في مواجهة الإجهاد. فوجود العائلة أو الأصدقاء من حولك ـ طالما أن العلاقات صحية ـ يعد حقيقة أمرًا وقائيًّا عندما يتعلق الأمر بالآلام النفسية المرتبط بحياة الفرد. وهذا يؤكد أن المعاناة النفسية تختلف تمامًا عن نظيرتها الجسدية، ولعلَّه أيضًا يمكنك تهدئة ألمك في بعض الأحيان عن طريق تهدئة آلام الآخرين.
ختامًا، أؤكد هنا ودائمًا أن مساعدة الآخرين في الضيق يؤدي جزمًا إلى تنظيم عاطفي أفضل ويقلل من أعراض الاكتئاب. وربما لا تحتاج لتذكيرك بأن منح الحُب قد يكون في الواقع أفضل استراتيجية ـ إنْ صحَّ التعبير ـ لتقليل الألم في هذه الحياة.

د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
[email protected]