أما بواعث التمسك القومي بوحدة العالم العربي، فهي أصلًا لغوية ودينية؛ باعتبار اللغة العربية هي وسيلة الاتصال الأساس بين أفراد الجمهور العربي على نحو عام، ناهيك عن حقيقة أن أغلب سكان أقطاره يدينون بالإسلام..

لا يوجد عبر العالم امتداد جغرافي عملاق (غير متجانس تضاريسيًّا) يدعي سكانه الوحدة والتماسك والتجانس مثل ذلك الذي يشكل “العالم العربي”، ذلك أن أسباب توحّده ليست جغرافية فقط: فهو “عالم” منقسم بين قارتين منفصلتين (آسيا وإفريقيا)، فهو منشطر إلى نصفين غير متجانسين بوجود البحر الأحمر في وسطه، ناهيك عن وجود إسرائيل وقناة السويس، في قلبه الجغرافي.
أما بواعث التمسك القومي بوحدة العالم العربي، فهي أصلًا لغوية ودينية؛ باعتبار اللغة العربية هي وسيلة الاتصال الأساس بين أفراد الجمهور العربي على نحو عام، ناهيك عن حقيقة أن أغلب سكان أقطاره يدينون بالإسلام، باستثناء أقليات شبه مجهرية تعتنق المسيحية واليهودية، من بين أنظمة دينية أخرى (أنظمة قد لا ترقى للرؤية بالعين المجردة!) وبرغم عناصر الاتحاد والتجانس والتماسك بين “الشعوب” العربية (كما يحلو للبعض تسميتهم)، تبقى مسببات التناقض والتنافر والاختلاف موجودة ولا غبار عليها.
ويبدو لي شخصيًّا الآن أن أهم أسباب الاختلاف كان السبب الطبقي، إنْ صحَّ هذا اللفظ في سياق مناقشتنا هنا. لذا، تقبع جذور الاختلاف والتنوع “بين رأس ولحية برناردشو” الذي وصفهما متهكمًا، بقوله: “كثافة في الإنتاج، وسوء في التوزيع”!
لذا، ليس هناك من مانع في أن يتم التكلم عن الأغنياء والفقراء عبر العالم العربي، أي بين أصحاب المال، من ناحية، وبين المدقعين بالفقر، من الناحية الثانية. والحقُّ، فإن جذور هذا التمايز “الطبقي” تضرب في أعماق الأرض وتضاريسها المتنوعة: فثمة بقاع، عبر هذا العالم العربي، تطفو على بحار ومحيطات من النفط الخام، وثمة بقاع أخرى لا تنبت الزرع ولا تستضيف الإنسان أو الحيوان.
ومع ذلك كله، يتمسك “العرب”، برغم تنوع بقاع سكناهم وأنشطتهم، بـ”الحلم القومي”، وهو في جوهره حلم الوحدة، أي أن تتكتل الأقطار العربية المترامية مندمجة لتكون دولة عربية واحدة، من المحيط إلى الخليج! هو حلم مجرد فيه نزر ضئيل من الحقيقة العملية والواقعية، بيد أنه يبقى حلمًا الآن، خصوصًا بعدما دقت الكولونياليات الأوروبية والسطوة الأميركية إسفين الانقسام والتمزق في قلب العالم العربي الموحد والمنشود!

أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي