[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
الحقيقة التي لا تزال تجهلها أجيال من العرب هي أن الصهيو ـ أميركي لن يبعد أصابعه من زناد بندقيته المصوبة على رؤوس الدول العربية المحورية والفاعلة وتحديدًا تلك التي تحيط بكيان الاحتلال الصهيوني (مصر، سوريا، العراق) حتى يرديها واحدة تلو الأخرى، لكن ما يحسب للصهيو ـ أميركي أنه لم يكتفِ بوضع بندقيته على كتفه، وإنما نجح في صناعة أكتاف برؤوس فارغة من أي عقل وفكر، وجسد خالٍ من أي قلب وضمير يعقل ويفهم ويؤنب ويستشعر ويحس بمعنى الحياة والاستقرار والعيش الكريم، وبخطر جريمة إزهاق أرواح بريئة وسفك الدماء في المنازل والشوارع والحدائق والمؤسسات، وبجريمة تدمير دولة وتفتيتها وضرب عوامل قوتها وأمنها وسيادتها واستقلالها، وأن المدخل الطائفي والمذهبي دليل انهزام العدو أمام سيادة الإسلام دينًا عالميًّا وخاتم الرسالات، وضعف كنائسه ومعابده عن مقاومة عالمية الرسالة هذه، ولم يبقَ بيده سوى التشويه والتحريض والفتن نارًا يقذف بكراتها في كل اتجاه وبيد محسوبين زورًا على رسالة الإسلام. بل إن العدو زود ذوي هذه الأكتاف بكل ما تحتاجه من وسائل قتل إلى جانب البندقية، وقتل فيها معنى الإنسانية والخير والحق والصدق، وجعل من أصحاب تلك الأكتاف ثيرانًا تقتل وتدمر وتخرب كل شيء أتت عليه، وأطلق عليها مصطلح "ثوار" لا يليق بها على الإطلاق.
ألم يقل بن جوريون أول رئيس لحكومة الاحتلال الصهيوني: "عظمة "إسرائيل" ليست في قوتها الذرية ولا ترسانتها المسلحة، ولكن عظمة "إسرائيل" تكمن في انهيار ثلاث دول؛ مصر والعراق وسوريا، ونجاحنا في ذلك ليس بذكائنا وإنما بغباء الآخر"؟ وألم يقل جيمس وولسي رئيس الاستخبارات الأميركية في العام 2006م: سنصنع لهم إسلامًا يناسبنا، ثم نجعلهم يقومون بالثورات، ثم يتم انقسامهم على بعض لنعرات تعصبية، ومن بعدها قادمون للزحف وسوف ننتصر"؟
ومن ينظر إلى خريطة الأحداث في المنطقة وتبدلاتها بداية من العراق يلحظ التلاقي والانسجام التامين بين القولين السابقين الصهيوني والأميركي، وما جره الغزو الأنجلو ـ أميركي من دمار وخراب وتمزيق لعرى مجتمعه وتدمير وتفتيت لمؤسساته وما فيها المؤسسة العسكرية وحل الجيش من قبل الحاكم الأميركي بول بريمر، ونثر بذور الطائفية والمذهبية المقيتة والتفريق بين مكونات المجتمع العراقي هذا سني وهذا شيعي، وهذا كردي وهذا ايزيدي، وهذا تركماني وهذا مسيحي، حيث شهد العراق أول نواة لصناعة الإسلام الذي يناسب الصهيو ـ أميركي ليس في المنطقة وحدها بل وفي العالم، على يد أبو مصعب الزرقاوي الذي أوكل إليه تشكيل ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش" في العام 2004م، وتوفير المناخ المواتي والبيئة الحاضنة ليفرخ المزيد من العناصر الإرهابية التابعة له، ليشهد هذا "الإسلام" الصهيو ـ أميركي عصر ازدهاره وانتشاره الواسع بتفجر "الحريق العربي" في العام 2011م، في ليبيا ومصر واليمن وسوريا على وجه التحديد إلى جانب العراق، حيث أخذت عملية التناسل من تنظيم القاعدة الأُم مسارها المرسوم بـ"فضل" الرعاية الصهيو ـ أميركية والتمويل والدعم السخييْنِ النابعيْنِ من الكرم البدوي، وبـ"فضل" النخوة والشهامة العربية التي تبدت في مشهد غير مسبوق في التاريخ العربي في أروقة اجتماعات جامعة الدول العربية ومجالسها، حيث مرت صعاليك حلف شمال الأطلسي بأرسان خيل جامعة الدول العربية بليبيا وتمضي نحو سوريا ومجددًا نحو العراق، و"الإسلام" الصهيو ـ أميركي الذي تمثله أنسال القاعدة من "داعش والنصرة والجبهة الإسلامية والجيش الحر وأحرار الشام" وغيرها من المسميات التي تولت القابلة الصهيو ـ أميركية عملية التوليد وتحرير شهادة ميلادها، وتكفل البترودولار بحضانتها.
ولما كانت مصر إحدى دول الطوق بالنسبة لكيان الاحتلال الصهيوني، فضلًا عن دورها التاريخي في تقديم قوافل الشهداء دفاعًا عن الحق العربي المغتصب في فلسطين وذودًا عن الكرامة والدماء العربية والشرف العربي، وعن الأمة كلها، فإن أُم الدنيا لا تزال هي الرأس الأكبر الذي يترصد الصهيو ـ أميركي الفرص ويراقب المشهد من قريب ومن بعيد لينتهز أي سانحة لتصويب بنادقه وبنادق إنتاجاته وصناعاته من الأكتاف لاصطياد رأس مصر الذي يبدأ من جيشها الباسل، كما بدأ في العراق، ويجري اصطياد رأس سوريا.
على أن التصعيد الإرهابي والخطير واللافت ضد الجيش والشرطة المصريين واستهداف مؤسساتها، صحيح أنه يأتي في إطار استهداف الجيش الأول (طبعًا الجيش العربي السوري) ويؤكد أن هذا الاستهداف سيطول الجيش الثاني (الجيش المصري) لكون مصر وسوريا تمثلان عمقًا استراتيجيًّا للأخرى، إلا أن هذا التصعيد في ـ تقديري ـ جاء إثر متغيرين اثنين:
الأول: دخول القاهرة على خط تبريد جبهات المواجهة بين الدولة السورية والعصابات الإرهابية المسلحة، ومحاولة التقريب بين الحكومة السورية والمعارضة السورية بما فيها ما يسمى "معارضة الخارج"، وبالتالي إسناد الجهود الروسية القائمة نحو ذلك التي ترتب عليها لقاء موسكو الذي خرج في ختامه بعدد من المبادئ يمكن أن تمثل أرضية مناسبة للحل السياسي والحوار السوري ـ السوري، حيث قادت القاهرة جهودًا لتكملة الدور الروسي بتنظيمها اجتماعات بين المعارضة السورية لتوحيد صفوفها ومساعدتها على تقديم ورقة تشمل رؤيتها لحل الأزمة. ولذلك رفض بعض الدمى في ما يسمى "الائتلاف" حضور اجتماع المعارضة بالقاهرة، واستجابة للضغوط التركية المنزعجة قام "الإتلاف" بحل مكتبه التمثيلي في القاهرة وفصل إداريًّا المجموعة العاملة فيه ردًّا على مشاركتها في اجتماع القاهرة ، يعطي صورة واضحة عن أسباب التصعيد الإرهابي ضد مصر، فواضح أن معسكر التآمر والعدوان على سوريا لا يرفض الحل السياسي فحسب، وإنما يرفض الدور المصري لكون مصر الدولة الموضوعة على خريطة الاستهداف والاستنزاف والتدمير بعد سوريا، وبالتالي فإن الحل في سوريا سيوقف المؤامرة، وسيقرب كلًّا من القاهرة ودمشق وموسكو، كما سيوحد ويقرب الجيشين الأول والثاني.
الثاني: الاعتقاد لدى الأطراف المعادية لمصر أن بوفاة العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز، تكون مصر قد خسرت حليفًا قويًّا ومدافعًا شرسًا، وأن القيادة السعودية الجديدة لها أولوياتها الداخلية، وليست في وارد أو غير مستعدة للتفرغ للملفات الخارجية بما فيها الملف المصري وملف جماعة الإخوان، وما قوَّى هذا الاعتقاد لدى هؤلاء المعادين لمصر غياب الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وحلفاء آخرين للسيسي وللعاهل السعودي الراحل عن حضور جنازة الأخير؛ بمعنى انفراط عقد التحالف الداعم لمصر السيسي.
في تصوري، إن هذه القراءة تلخص صورة المشهد القادم والمعد ضد مصر، ولذلك ليس أمام مصر ـ بغض النظر عن ما إذا كانت هناك أخطاء داخلية ـ أن تعيد النظر في سياساتها التي رسمها كل من محمد أنور السادات وسار عليها وكرسها محمد حسني مبارك، وأن تعيد علاقات التحالف الاستراتيجي مع سوريا، وتبني علاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومع روسيا الاتحادية ودول البريكس؛ لأن كل ما جرى ويجري يؤكد ـ بما لا يدع مجالًا للشك ـ أن الولايات المتحدة ليس لها صديق، ومن يُرِدْ صداقتها عليه أن يتحمل تبعاتها وأعباءها وتكاليفها الباهظة.