أتذكر جيدا أنه وبعد أسبوع أو أكثر بقليل وصلني جهاز الثريا من الأردن، وبذل الصديق الأستاذ شاكر الجوهري جهودا كبيرة لتأمين وصول الجهاز لأنه لم تكن ثمة وسيلة اتصال سواه.
حديثي ليس عن الثريا وإنما عن أول مقابلة أجريت معي بعد الاحتلال وأول عبارات قلتها في ذلك اللقاء، حيث سألتني مذيعة الـ”بي بي سي” عن الأوضاع في العراق في تلك الأيام، فقلت: عندما أراد الأميركيون والبريطانيون غزو العراق فقد وصلتنا صواريخهم بسرعة البرق لتقتل وتدمر وتسفك الدماء، أما الآن فنسمع كثيرا عن ما يسمونه بالمساعدات للعراقيين، وهذا عبارة عن كذب يروج له إعلام وصحافة الاحتلال ولا يوجد منه أي شيء على أرض الواقع. طبعا هناك استثناءات تكاد لا تذكر بعد أن وزع البريطانيون بعض المساعدات في مدينة البصرة في جنوب العراق.
في تلك الفترة، وهنا، نتحدث عن بداية صيف العام 2003، أي شهر حزيران ـ يونيو وشهر تموز ـ يوليو، واصلت وسائل الإعلام الأميركية والتابعة لها والموالية لبرنامجها ضخا إعلاميا هائلا عن المساعدات التي تقدمها أميركا للعراقيين، وهذا كان كذبا مفضوحا، وأعتقد أن جزءا من هذا الخطاب الإعلامي يستهدف الرأي العام العربي، أما بالنسبة للعراقيين فإن إعلام الأطباق اللاقطة قد بدأ توًّا بالانتشار الواسع وما زالت الغالبية العظمى لم تستخدم تلك الأطباق، لهذا لن يدقق العراقيون بالأخبار التي تصلهم عن طريق الإذاعات التي كانت مسموعة بين العراقيين، وأول المروِّجين لتلك الدعايات كانت إذاعة “سوا” الأميركية وبعدها إذاعة الـ”بي بي سي” البريطانية وإذاعة مونتي كارلو الفرنسية.
في تلك الفترة برزت ثلاث ظواهر: “المساعدات” الأميركية المزعومة للعراقيين أخذت الصدارة وفي وسائل الإعلام رغم عدم وجودها، وكانت ليست بأكثر من أخبار تبثها وسائل الإعلام، واعتقال العراقيين وتعذيبهم وسرقة ممتلكاتهم بعد مداهمة منازل العوائل، وهذه موجودة على أرض الواقع بكثرة وأخذت بالازدياد بصورة هائلة، لكن لا وجود لها ولا أثر في وسائل الإعلام الأميركية والبريطانية والداعمة لها والموالية لتوجهاتها والمطيعة لأوامر أميركا، والأمر الثالث، هو تصاعد المقاومة العراقية ضدّ القوات المحتلة الأميركية والبريطانية وغيرها من القوات التي انتشرت في مدن العراق، وهذه نادرا ما تتحدث عنها وسائل الإعلام، لكن النقل الشفاهي لها انتشر بين العراقيين وعلى نطاق واسع.
ربما يعتقد البعض أن الأخبار التي نشرتها أميركا دقيقة بخصوص، قتلى قواتهم نتيجة لهجمات العراقيين والمتصاعدة، وفي الحقيقة أخفوا ذلك، وأنها قدمت المساعدات للعراقيين، وهذا كذب ولم يحصل، كما أخفوا سرقاتهم وتعذيبهم للعراقيين.



وليد الزبيدي
كاتب عراقي
[email protected]