” ليكن لك موقف من حزب الله، ومن "تبعيته" لإيران وحتى مما قد تعتبره يتعارض مع ما تراه ضمن التصور الطائفي للصراع في المنطقة، لكن مع ذلك لا يستطيع أحد انكار أن حزب الله والمقاومة اللبنانية هي القوة العربية الوحيدة التي تقاوم الاحتلال الصهيوني في فلسطين ـ مستثنين طبعا كل قوى المقاومة الفلسطينية. وأي موقف من تلك المقاومة، أيا كان سنده ومبرراته، يصب بالتالي في خانة الوقوف مع الاحتلال الصهيوني ولا يصح هنا حتى الحياد.”
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هناك صيغة أخرى للمثل المعروف "ملكيون أكثر من الملك" تجده في الثقافات الغربية يقول: "كاثوليكيون أكثر من البابا". كل تلك الأمثلة تشير إلى السخرية ممن يزايدون على أصحاب الأمر في قضية ما، ما يكشف مبالغة في النفاق لا تدل على أي اصالة في الموقف بل مجرد تملق زائد عن الحد. هؤلاء الذين يزايدون على البابا في كاثوليكيته هم في الأغلب أخطر على الكاثوليكية، والمسيحية كلها، من ألد أعدائها ـ وينطبق ذلك على كل شيء آخر. فتقليديا، كان المزايدون على المقاومة الفلسطينية مثلا في مواجهتها للاحتلال الصهيوني هم أول من برروا الحلول السلمية ـ التي تنسف جوهر المقاومة من الأساس ـ والأمثلة كثيرة على المنافقين والمتملقين في أغلب الأحداث والقضايا على مر التاريخ القديم والمعاصر.
تذكرت هذا المثل، وانا اتابع ما يقال ويكتب في الأيام الأخيرة حول العدوان الاسرائيلي على الجولان السوري الذي اسفر عن استشهاد مجموعة من حزب الله اللبناني وضابط ايراني وه ما اعتبره حزب الله عملية اغتيال ورد عليه بهجوم على دورية اسرائيلية في مزارع شبعا المحتلة اسفر عن مقتل واصابة عدد من جنود الاحتلال. بالطبع يمكن توقع موقف اميركا وغيرها من دول العالم الداعمة لإسرائيل، وحتى بعض القوى اللبنانية المعارضة لحزب الله ـ وحتى هؤلاء لا يذهبون في مواقفهم إلى حد تبرير أفعال اسرائيل الاجرامية وعدوانها السافر. لكن المصيبة هي في من هم أكثر ملكية من الملك واكثر كاثوليكية من البابا والذين يكادون يبررون لإسرائيل إجرامها الدائم ويحملون حزب الله "مسؤولية التصعيد"، على طريقة ما يتندر به المصريون "إيه اللي وداهم هناك"!!!
منذ بدأت حرب تدمير سوريا ـ بغض النظر عن الموقف من النظام الحاكم ـ وهناك مواقف وآراء أقل ما يمكن أن توصف به انها لا تستند إلى وعي كاف أو مبنية على أحكام مسبقة تغلب عليها العواطف أكثر من العقل وتبتعد عن الواقعية وتقدم المصالح الانية والضيقة على الصالح العام. حتى تلك الآراء والمواقف التي تبدو أنها تأخذ في الاعتبار الصورة الأشمل وتعتبر ما يجري في سوريا، وقبلها العراق، حلقة في صراع إقليمي بين قوى اقليمية ودولية ذات مصالح فإنها في الأغلب تتعامل مع الصورة الأشمل بطريقة ضيقة الأفق وكأنها "مجيشة" في هذا المعسكر أو ذاك. ويندر أن تجد من يناقش الوضع مستهدفا المصلحة العامة، قطريا او اقليميا، باستثناء الاسرائيليين بالطبع فهم يعرفون مصلحتهم جيدا وهي اضعاف كل دول المنطقة واشغالها في اقتتال داخلي او ما بينها. وللآسف ستجد بعض "المزايدين على البابا" يتبنى رؤى الاسرائيليين أحيانا.
ليكن لك موقف من حزب الله، ومن "تبعيته" لإيران وحتى مما قد تعتبره يتعارض مع ما تراه ضمن التصور الطائفي للصراع في المنطقة، لكن مع ذلك لا يستطيع أحد انكار أن حزب الله والمقاومة اللبنانية هي القوة العربية الوحيدة التي تقاوم الاحتلال الصهيوني في فلسطين ـ مستثنين طبعا كل قوى المقاومة الفلسطينية. وأي موقف من تلك المقاومة، أيا كان سنده ومبرراته، يصب بالتالي في خانة الوقوف مع الاحتلال الصهيوني ولا يصح هنا حتى الحياد. لكن المزايدين المتملقين قد يذهبون إلى حد اعتبار "حزب الله عدوا أكثر من اسرائيل". وهؤلاء للأسف أول من يزدريهم هم الاسرائيليون، ذلك أن الملك يحتقر من يدعي أنه ملكي أكثر منه والبابا لا يلتفت إلى من يعتبر نفسه كاثوليكيا أكثر منه.
أظن، والله أعلم، أن اي عربي مسلم يعتز بعروبته وإسلامه لا يمكن إلا أن يكون في صف المقاومة ضد الاحتلال. بل إن من يدعي الإنسانية حتى لا يمكن أن يقبل بأن يقتل الاسرائيلي ويدمر الزرع والسكن ويترك بلا عقاب ـ ناهيك طبعا عن أن يجد من يبرر له ذلك بحجة مشاركة حزب الله في الصراع في سوريا ـ بينما حين يرد العربي العدوان يقال عنه "مستفز". وفي القضايا الأبسط والأحداث الأقل أهمية، يسخر الكل من المتملقين وأكثر من يزدريهم هو من يتملقونه بالطبع. لكن في مثل الصراع مع عدو محتل يستبيح الأرض والدم يعد التملق بهذا الشكل خروجا حتى على أبسط القيم الانسانية التي لا تقبل بالظلم والعدوان. وأسوأ ما في الأمر أن يكون كل ذلك تطوعا ليس مطلوبا حتى ممن يعتقد أنه يصب في مصلحته.
وإذا كان التاريخ يحتفظ بمكان وضيع لمثل هؤلاء المزايدين المتملقين، فإن خطرهم الحالي يحتاج للتخفيف من حدته، وليس اقل من ان يكشفهم من لديه بصيرة للناس العادية كي لا يسمموا أفكارا ويرسخوا مغالطات يمكن أن تنتهي ليس فقط بضياع الحقوق بل بالمزيد من الانتكاسات والهزائم. وإذا كان نموذج حزب الله واسرائيل واضحا فجا، فهناك نماذج أخرى كثيرة لقضايا مصيرية أيضا وحاسمة في مستقبل هذه الأمة منها على سبيل المثال مواجهة الإرهاب ـ بغض النظر سنيا كان أو من اي طائفة. وربما كان لتلك الأمثلة حديث آخر بإذن الله.

د.أحمد مصطفى
كاتب صحفي مصري