يظهر كثيرٌ من الدراسات العلمية المعاصرة التي وردت في كتاب (تجربة النية) للكاتبة العلمية لين ماكتاجريت أن النية البشرية طاقة قوية جدًّا، فهي تعمل كتيار كهربائي؛ ما يجعلنا ندرك خطورة تأثير أفكارنا ونياتنا ومشاعرنا على عالمنا، وعلى حياتنا. وهذا يقدم تفسيرًا مُقنعًا لطاقة الشفاء الروحي عن بُعد، واستجابة الله سبحانه وتعالى للدعاء الجمعي في صلاة الاستسقاء وفي الدعاء الجماعي أثناء الصلاة وخارج الصلاة، كما يحدث في حلقات الذكر وحلقات القرآن تحديدًا، بل ومن الطريف أن الباحثين عن الفوز في جوائز اليانصيب يوظفون النية الجمعية في إرسال نيات للحصول على الأرقام الفائزة في مسابقات اليانصيب والرهان، باعتبار أن العقل البشري عندما يعمل بقوة جماعية يمكنه التأثير على آلات الحظ، ويزيد التأثير كلما زاد عدد الأشخاص الذين يرسلون نيات جماعية للفوز، وهذا يعيدني إلى الممارسات الشعبية في حلقات الشفاء الصوتي الجمعي في التراث الشعبي في ظفار، يتحلق المعالجون الصوتيون (ويرجزون) مقاطع صوتية تدعى (ارعبوت) تردد بصوت مرتفع وسريع، فتشفي الملدوغ والممسوس وتعالج كثيرًا من الأمراض، إنها أشبه بالتضرع الجمعي للشفاء.
كما يتحلق الرجال في المناسبات التي تتطلب قوة جمعية لحمل الأثقال وهم ينشدون بصوت واحد مقاطع تخلو من المعنى العميق أحيانًا ولكنها تحمل مضامين روحية جمعية، تستجلب الطاقات الخارقة.
ويغيب عن الذين يشيعون أخبارًا محبطة ونيات تشاؤمية خطورة تأثير ما يحملون في عقولهم من أفكار تجاه مجتمعاتهم وأوطانهم. يجب أن يعمل المجتمع بكل فئاته ومستوياته على بث النيات الجمعية الإيجابية، وأن يكون التركيز الجمعي على أسباب الوفرة والرخاء والأمن والسلام. ومما يُشاع لدى الرعاة في التراث الشفهي في محافظة ظفار وهو أدعى للطرفة أن الرعاة في جبال ظفار إذا سخطوا على حيواناتهم يدعون عليها بأن يرعاها من لا يعرف لها حق أو شفقة.
وتحققت نياتهم الجمعية فيما نرى ونشاهد اليوم من إعراض رعاة الماشية عن تربية مواشيهم والاعتماد الكلي على العمالة الوافدة التي تجهل ما يريح الحيوانات، ونحن نعيش اليوم حالة استياء وسخط جماعي عندما يشيع بعض الناس بدون قصد طاقة البطالة والفاقة وضيق سبل العيش، بدون أن يدركوا خطورة ما يشيعون وما يروجون. إن النيات الجمعية تعمل بقوة وفاعلية، وتؤثر على الوعي العام، سواء الجمعي أو الفردي، فهذا الكون يشكِّل وعيًا عملاقًا تتواصل جميع مكوِّناته مع بعضها البعض، فما يحمله الناس من أفكار ومعتقدات يمكنه أن يتحول إلى نوايا، وهذه النيات تحمل طاقات إيجابية أو سلبية من شأنها التأثير على واقع الناس وحياتهم ومعاشهم. وتزداد قوة النيات عندما تتحول من الفكرة إلى الألفاظ والكلمات لما لها من تأثير ملموس على العقل والروح والجسد.
وتبدأ النية الجمعية من نية الأفراد، ويستطيع كل شخص أن يحسن حياته بجميع مجالاتها عن طريق تبني النية الواعية الإيجابية، ومراقبة أفكاره والتركيز على إرسال ذبذبات إيجابية محملة بأهدافنا وطموحاتنا على المستوى الفردي والمستوى الجمعي.


* د ـ أحمد بن علي المعشني
رئيس أكاديمية النجاح للتنمية البشرية