مثل أي شيء آخر له ميزة إنسانية عظيمة، فإن مفتاح تحويل التعاطف إلى رحمة هو استخدام قدراتك الواعية لتجاوز مشاعرك. فلا توجد تسمية مثل التعاطف لشخص أصبح عطوفا بشكلٍ خاص، لكنك ستعرف ذلك عندما تحققه، وسوف يعرفه الآخرون أيضًا.

ينظر الناس اليوم إلى التعاطف أو العطف على أنه طريقة لتفهُّم ما مرَّ به شخص آخر. وبلا شك فذلك الشعور بالأسف تجاه شخص يعاني من ألمٍ جسدي أو عاطفي، ووضع نفسك عقليا في مكان الشخص المصاب لتشعر بألَمِه هي فضيلة لها من الأثر الطيِّب علينا كأفراد ومجتمع.
وبشكلٍ حقيقي، جميعنا يعي كيف أن التعاطف يمكن أن يخفف من أعباء الآخرين، خصوصا لتخفيف الآلام الجسدية بشكلٍ كبير عند سماع شخص آخر يعبِّر عن التعاطف، ولكن ليس عند سماع تعليقات غير متعاطفة. وبالمِثل، يتعامل المرضى بشكلٍ أفضل مع الأخبار الطبية السيئة إذا كان أطباؤهم متعاطفين، مما يدل على أنهم يفهمون شخصيا ما يمرُّ به المريض.
وأعتقد حقيقة أنه ـ لتصبح تلك الفضيلة كاملة ـ يتطلب إضافة بعض السلوكيات التكميلية التي تحوِّله إلى تعاطف. ذلك بأنه التعرف على المعاناة وفهمها والشعور بالتعاطف مع الشخص الذي يعاني، بل وتحمل المشاعر غير المريحة التي يمرُّ بها هو والشخص الذي يعاني، وربما الأهم من ذلك، العمل على تخفيف المعاناة، هي جزمًا المعنى الجميل واللائق لهذه الفضيلة.
وبالتالي ذلك المتعاطف والذي ربى نفسه ـ إنْ استطعت القول ـ على التعاطف وهدفه التقليل من مشاعر أولئك الأفراد السلبية وزيادة المشاعر الإيجابية بعد أن شهدوا آلام الآخرين، عليه أن يكون أكثر صرامة في مواجهة ألَمِ الآخرين. وهنا لا أعني أن يكون الشعور بآلام من حوله أقل. بدلا من ذلك، يجب أن تتعلم أن تشعر بالألم دون أن تتأثر بالتصرف. فالأشخاص المتعاطفون من المحتمل أن يشعروا بالألم مثل أي شخص آخر، لكن بشكلٍ ما هم قادرون على تحمله والعمل. فعلى سبيل المثال، الأطباء المتعاطفون يخففون الألم بتعاطفهم؛ يمكن للأطباء المتعاطفين أيضًا إجراء عملية جراحية للمريض بهدوء.
من ناحية أخرى وفي كثير من الأحيان، عندما يعاني الناس من الألم، فإنهم يقاومون العلاج الفعَّال؛ لأنه سيكون مؤلمًا أكثر بشكلٍ مؤقت. فترى ذلك الشخص يتجوَّل لسنوات مع ألَمٍ في الركبة؛ لأنه لا يستطيع تحمل فكرة إجراء عملية جراحية والتعافي. وبالمِثل، يبقى الناس في علاقات سامة لأن المغادرة تبدو مروِّعة للغاية بحيث لا يمكن التعامل معها.
وهكذا لا يستطيع المتعاطفون مساعدة الآخرين على الالتزام بقرارات صعبة؛ لأن مساعدتهم تتوقف عند مشاعر الضحية. ومن هنا قد تتفق معي وبشكلٍ واقعي أن الأشخاص المتعاطفين، المشددين على التصرف، يمكنهم القيام بأشياء صعبة قد لا يريدها الشخص الذي يعاني ـ ولكن هذا من أجل مصلحتهم ـ! ما أعنيه أنه يمكن أن يكون التعاطف أيضًا حُبًّا قاسيًا، وإعطاء مشورة صادقة يصعب سماعها، أو توديع الموظف الذي لا يناسبك، أو قول لا لطفل محبط!
ختامًا، مثل أي شيء آخر له ميزة إنسانية عظيمة، فإن مفتاح تحويل التعاطف إلى رحمة هو استخدام قدراتك الواعية لتجاوز مشاعرك. فلا توجد تسمية مثل التعاطف لشخص أصبح عطوفا بشكلٍ خاص، لكنك ستعرف ذلك عندما تحققه، وسوف يعرفه الآخرون أيضًا. فتعلم المعنى الحقيقي للتعاطف ـ إن لَمْ أبالغ ـ ليس فقط تلقي آلام شخص آخر، ولكن أيضًا إعطاء فرحتك وسعادتك لشخص يعاني.

د. يوسف بن علي الملَّا
طبيب ـ مبتكر وكاتب طبي
[email protected]