«.. وإذا ما ادَّعت كل من ألمانيا وفرنسا الغنيتين عن حفاظهما على احتياطات مخزَّنة تكفيهما لأكثر من عام، فإن هذا الإعلان لا يمكن أن يقلل من أهمية النفط والغاز العربي الذي سوف يتدفق كي يحلَّ محلَّ مكافئهما الروسي..»

لست أشك قط في أن العديد من خبراء الطاقة عبر العالم العربي قد لاحظوا “فرصة ذهبية” للنفط والغاز العربي ليحل محل النفط والغاز الروسي الذي توقف عن إمداد أوروبا بالطاقة، وذلك على أبواب شتاء قارص يلوِّح بالعصا الغليظة لشعوب دول أوروبا التي تخشى قدوم موجات برد تجمدها وتثلِّج كافة فعالياتها الحيوية، خصوصًا إنْ تواصل وقف الإمدادات الروسية من الطاقة.
بَيْدَ أن على المرء التريث قليلًا حيال فكرتي في استثمار هذه الفرصة، خصوصًا عبر البحر المتوسط الذي يفصل مخزونات النفط والغاز العربي الغزير (من شمال إفريقيا الجزائر وليبيا) عن يابسة أوروبا بمسافة قصيرة. وإذا ما ادَّعت كل من ألمانيا وفرنسا الغنيتين عن حفاظهما على احتياطات مخزَّنة تكفيهما لأكثر من عام، فإن هذا الإعلان لا يمكن أن يقلل من أهمية النفط والغاز العربي الذي سوف يتدفق كي يحلَّ محلَّ مكافئهما الروسي، خصوصًا وأن الحاجة الماسة لمصادر الطاقة في دول أوروبا الصناعية قارصة البرد تتطلب سيلًا متواصلًا من مصادر الطاقة، باعتبار تجدد الحاجة إليها عبر مرور الوقت، بل وإمكانية تضاعف الحاجة إليها بسبب احتمالات تدهور الوضع العسكري ـ السياسي بين روسيا وأوكرانيا، ملاحظين خشية الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية من الارتطام العسكري المباشر مع روسيا، علمًا أن العملاق الصيني يصطف الآن مع موسكو في هذه الحال.
ومع أخذ حزمة هذه الاعتبارات في الحساب، يتوجب على أولي الأمر في دول العالم العربي الغنية بالنفط التريث والتفكير لأكثر من مرَّة حيال مخاطر الاندفاع المتعامي لجني ثمار العملات الصعبة المتأتية من بيع النفط والغاز لأوروبا المتعطشة إليهما اليوم. وسبب الحاجة إلى التريث هو أن النفط والغاز، اللذين يمكن أن يتحوَّلا إلى ذهب واحتياطات عملات صعبة، هما مصادر طاقة قابلة للنفاد، وإن إمكانية ضخهما إلى أوروبا لجني الأرباح الوفيرة والسريعة يجب أن لا تصيب أولي الأمر بقصر النظر حيال حقائق نضوب هذه الخزائن من “الذهب الأسود”!

أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي