عادة ما يحرص الناس على توثيق التصرفات والوقائع التي لها آثار قانونية، لما في ذلك من حفظ لحقوقهم، وسهولة إثباتها عند الحاجة إلى ذلك، غير أنه لا بد من إدراك أمر مهم هنا، وهو أن الحقوق المطلوب توثيقها ناشئة عن أحد أمرين، إما تصرف قانوني وإما واقعة قانونية:
أولا: التصرف القانوني، هو اتجاه الإرادة إلى إحداث أثر قانوني معين، سواء كان بقصد إبرامه أو بقصد حَلِّهِ، وسواء كان بإرادتين أو بإرادة واحدة، فما كان بقصد إبرامه بإرادتين فمثل “العقود”، وما كان بقصد حله بهما فمثل “الوفاء”، وما كان بقصد إبرامه بإرادة واحدة فمثل “الوصية”، وما كان بقصد حله به فمثل “الإبراء”، وبهذا يظهر أن التصرف القانوني قد يُنشئ حقوقا شخصية أو يُكسب حقوقا عينية.
الثاني: الواقعة القانونية، وهي واقعة مادية يترتب عليها أثر قانوني، وهذه الواقعة قد تكون بإرادة الإنسان كبناء عقار أو نقل مركبة أو استيلاء على أموال أو حيازة عقار، وقد تكون من غير إدارته كالموت، وبهذا يظهر أن الواقعة القانونية أيضا قد تنشئ حقوقا شخصية أو تكسب حقوقا عينية.
وهنا عند النظر في توثيق هذين الأمرين لدى الكاتب بالعدل نجد بينهما فرقا، إذ يوثق الكاتب بالعدل الأول وهو التصرف القانوني، دون الثاني وهو الواقعة القانونية، فيوثق ما فيه إبرام لعقد بإرادتين كعقد الوكالة، وعقد القرض، وعقد الزواج، كما يوثق ما فيه حَلل لعقد، كعزل الوكيل، والوفاء بالقرض، وحل عقد الزواج بالطلاق مثلا، وأيضا يوثق ما ينعقد بإرادة منفردة كالوصية والوقف، وما فيه حل له كالإبراء من القرض. بينما لا يوثق الواقعة القانونية التي هي في حقيقتها واقعة مادية، كتوثيق بناء عقار، أو قيادة مركبة، أو تحويل مبالغ مالية، أو إشراف على بناء عقار، أو إدارة أموال، غير أن عدم توثيق الكاتب بالعدل لها لا يعني بحال ضياعها الحقوق فيها، لعدم إمكان إثباتها، بل اعتنت القوانين بتنظيم طرق إثباتها في القوانين الخاصة بالإثبات، بل إن من القانونين من قال بأن الأصل في الواقعة القانونية إثباتها بالشهادة والقرائن، كونها وقائع مادية، تقع أحداثها أمام أعين الناس، ويتعذر توثيقها كتابة، كحراثة الأرض، ومنع استغلالها، والقيام بأعمال بناء، أو القيام بأفعال غير المشروعة. وأما تنظيم القانون لتوثيق بعض الوقائع القانونية كالولادة والوفاة، فلا تعدو أن تكون حالات مستثناة من الأصل العام نظرا لأهمية الآثار القانونية المترتبة عليها، على أن توثيقها لا يكون لدى الكاتب بالعدل، بل لدى الجهات التي حددها القانون. كما أن المستندات التي ليست من قبيل التصرفات القانونية ولا الوقائع القانونية يبعد توثيقها أكثر، مثل البيانات الشخصية، والشهادات الجامعية، وثائق إثبات المهن والحرف، وإثبات النسب.


* صالح الخروصي