تمتلك سلطنة عُمان إرثا ثقافيا وحضاريا عريقا أثر وما زال يؤثر في التاريخ العربي والإسلامي، ولقد عملت قيادتنا الحكيمة على الحفاظ على هذا التراث التليد وتطويره بما يصون أصالته، وفي ذات الوقت عملت على بناء جسور تواصل بين الأجيال المختلفة كي يصل المخزون الثقافي إلى الأبناء والأحفاد بكامل هيئته.
ويعد الاهتمام بالهجن من السمات المميزة لشعبنا الوفي وإرثا عريقا اشتهرت به سلطنة عُمان على مرِّ التاريخ من هنا يأتي الاهتمام السامي من لدن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ بهذا النوع من التراث ومن خلفه حكومتنا الرشيدة، وعلى رأسها صاحب السُّمو السَّيد ذي يزن بن هيثم آل سعيد وزير الثقافة والرياضة والشباب الذي أصدر أوامره الكريمة بتقديم الوزارة دعما مالية لإقامة سباقات الهجن في مختلف الميادين بمحافظات سلطنة عُمان، في خطوة عظيمة للحفاظ على هذه الرياضة التقليدية الجميلة.. بحيث تكون هذه السباقات تأهيلية لسباقات الموسم الجديد (2022/2023) التي تنظمها الهجانة السلطانية بشؤون البلاط السلطاني، والاتحاد العُماني لسباقات الهجن، ودائرة ميدان البشائر للهجن العربية.
إن فعاليات مهرجان سباقات الهجن تتميز بالإثارة وتتسم كافة أشواطها بالمتعة والتشويق لكل من يتابعها، خصوصا تلك التي تهدف إلى إبهار المشاهدين مثلما يحدث في سباق ركض العرضة الذي يُشكِّل تظاهرة تراثية رائعة نظرا لمشاركة عدد كبير جدا من النوق فيه كذلك مسابقات “المحالبة” أو إدرار الحليب والمزاينة للنوق الحزامي وغير الحزامي، ثم تختتم بالسباق الختامي الذي يكشف عن المواهب الحقيقية لمرتادي السباقات.
لقد اعتمد البدوي من قديم الأزل على الإبل في الحل والترحال والطعام، من هنا كان اهتمام أبناء سلطنة عُمان بسفينة الصحراء وبسلالاتها وأنسابها وبتربيتها وإحياء رياضة الأجداد بإقامة سباق للهجن كل عام ورصد الجوائز القِيَمة للفائزين به مما يشجع المربين على الاهتمام بها، والحرص على اقتناء أفضل السلالات الأصيلة لها، وبالتالي الحفاظ على هذا النوع من التراث الذي يُعد واحدا من عاداتنا الشعبية المعروفة قديما والمتوارثة عبر الأجيال التي تجسِّد احترام الماضي.
إن المتابع لسباقات الهجن يجد أنه يتم اختيار أجود أنواع فصائل النوق لكي تشارك فيها، خصوصا تلك التي تحمل صفات تعطيها أفضلية في السرعة مثل رشاقة القوام وطول القامة ونحافة الجسم وطول الأرجل، خصوصا الخلفية وصغر الخف وطول الرقبة، وهي سمات وضعت الهجن العُمانية في مقدمة مصاف الإبل العالمية ومن أشهرها على الإطلاق.
لا شك أن اعتزاز العُمانيين بالإبل يأتي من منطلق أنها إحدى العادات العربية الأصيلة، وترمز للأصالة والافتخار، ونتمنى للجميع التوفيق لإحراز قصب السبق على كافة المستويات والاستمتاع بهذه المهرجانات التراثية الرائعة، ومن هنا نوجه شكرنا إلى كل من يُسهم في إنجاح هذه المهرجانات المبهرة على الجهد المضني الذي يبذله في أداء مهمته الوطنية كي يخرج المهرجان في حلته الجميلة.
وكل العرفان إلى المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة على العطاء المتجدد الذي لا حدود له والاهتمام السامي بهذا النوع من الموروث الحضاري لبلادنا والذي يرمز للأصالة والافتخار.. حفظه الله ورعاه وسدد على طريق الخير خطاه ورفع راية بلادنا عالية خفاقة.
****************
الإحصائيات التي صدرت مؤخرا عن المركز الوطني للإحصاء والمعلومات حول إجمالي عدد العُمانيين المتزوجين خلال عام 2021م، وكذلك إجمالي عدد المطلقين خلال نفس العام والتي استعرضت الأرقام بالتفصيل وترتيب المحافظات في معدلات كل منها، تظهر أن هناك خللا مجتمعيا لا بُدَّ من تداركه قبل فوات الأوان.. ذلك أن معدلات الطلاق ارتفعت بصورة مخيفة لدرجة وصلت إلى 10 حالات طلاق يوميا، وهي نسبة ـ بلا شك ـ كبيرة وتدق ناقوس الخطر.
لا شك أن الطلاق ظاهرة مؤسفة؛ لأنها تتسبب في انهيار المجتمع وتفككه؛ لأن الزواج ليس مجرد علاقة بين رجل وامرأة، ولكنه رباط مقدس يقوم على الاستقرار والسكينة، كما أنه أيضا ارتباط بين أسرتين مع إنجاب أطفال لهم كثير من الحقوق.. لذلك يجب إعادة النظر في أسباب هذا الطلاق حتى نقلل من معدلاته قدر الإمكان.
الملاحظ أن أهم أسباب الطلاق في عصرنا الحديث يرجع إلى عدم وجود الخبرة الحياتية الكافية لإكمال المشوار وعدم معرفة كل طرف لواجباته قبل حقوقه إلى جانب جهل الطرفين بحجم مسؤولية تكوين أسرة، وإخراج أبناء صالحين قادرين على بناء مجتمع قوي قادر على الإنتاج والإبداع والابتكار، لذلك نرى أنه مع ظهور أول خلاف بسيط بينهما يتطور النقاش ويصل لحد الطلاق.. وربما يُسهم في ذلك اختلاط القِيَم الوافدة بالعادات العربية الأصيلة التي كانت تقدس الحياة الزوجية ولا تفرط في الأسرة لأتفه الأسباب.
كما أن وسائل التكنولوجيا الحديثة أدَّت إلى نشر الاغتراب داخل الأسرة الواحدة وعدم تماسكها، حيث أصبح أفرادها كالجزر المنعزلة ورغم وجود أفراد الأسرة تحت سقف واحد إلا أنهم لا يلتقون إلا مصادفة، فكل منهم مشغول بحياته ولا يعير الآخرين أي اهتمام.
كذلك غياب القدوة الصالحة يعد من أهم أسباب تفكك الأسر؛ لأن ما يراه الطفل في مرحلة النشء من تصرفات غير سوية من بعض النماذج التي يقابلونها في حياتهم يختزن في عقوله ويؤثر على سلوكياته في المستقبل وطريقة تعامله مع شريك حياته.
لا شك أن نجاح أي زواج يعتمد على عدة عوامل أولها الاختيار الصحيح لشريك العمر مع تفهم ظروفه الاقتصادية والاجتماعية، وعدم السماح لأسرتي الزوجين بالتدخل في حياة أبنائهما اللهم إلا ببعض النصح فقط.. ولا يجب أن ننسى أن أساس العلاقة الزوجية هو المودة والرحمة فنلاحظ أن كثيرا من الأزواج والزوجات يتأنقون في ملبسهم وفي حديثهم مع الأصدقاء والزملاء خارج المنزل، ويثيرون حولهم جوا من المرح والفكاهة، وعندما يصلون إلى منزلهم يتحول الوضع إلى العكس تماما متناسين أن الأقربين أولى بالمعروف، وأن كلمة قد تهدم أسرة أو حتى أمة بأكملها.لا يجب أن يسمح الزوجان لضغوطات الحياة ومشاكلها أن تنغص عليهما صفو حياتهما الزوجية، وعلى كل طرف أن يتفهم لمشاعر الطرف الآخر وليجعل الاحترام المتبادل هو السلوك السائد بينهما وليزرع خشية الله عزَّ وجلَّ في قلبه حتى يحمي أسرته من التشرذم، وليرفع شعار المودة والرحمة التي ذكرها الله في كتابه الحكيم؛ لأنها تنشر السعادة بين جنبات الأسرة وتنعكس بشكل كبير على الأطفال فينمون نموا سليما بدنيا ونفسيا وتعبر السفينة بسلام وأمان. وفق الله كل زوجين، وأبعد عن طريقهما شبح الطلاق، وأنعم الله عليهما بالاستقرار والأمان.


ناصر بن سالم اليحمدي
كاتب عماني