يحاول البيت الأبيض أن يمسك العصا من الوسط على سبيل «مراضاة» طهران قليلًا من ناحية، وإدامة عملية استنزاف روسيا على أراضي أوكرانيا من الناحية الثانية.
لا يمكن للنابه من المحللين والمتابعين أن تمرَّ عليه أخبار فرص إيران المتزايدة لرفع الحظر عن تصدير نفطها، جزئيًّا أو كليًّا، والتوازي مع توقف النفط والغاز الروسيين عن التدفق نحو أوروبا الغربية وهي على أبواب “زمهرير” شتاء أوروبي قارص!
لذا، لن يكون من قبيل المفاجأة أن يخفف الأوروبيون من الضغط على إيران على سبيل اعتمادها من أجل تعويض النقص الحاصل من توقف تدفق النفط والغاز الروسي. وهذا، ما تعكسه تصريحات المسؤولين الإيرانيين حيال ما يأملون تحققه في القريب العاجل. بيد أن الإيرانيين لا يريدون أن يتحقق لهم ذلك مقابل ثمن باهظ، أي انزعاج الرئيس بوتين، خصوصًا بعد أن صدروا لروسيا طائرات مسيَّرة (درونات) متطوِّرة من صناعتهم، بمعنى وجود ثمة تعاون عسكري وثيق ومتطوِّر بين روسيا وإيران، وهو تعاون وتنسيق يمكن أن يأتي بأنواع المفاجآت، ناهيك عن إمكانية قلب موسكو طاولة الشطرنج على اللاعبين الغربيين على تنوع مشاربهم.
لذا، يحاول البيت الأبيض أن يمسك العصا من الوسط على سبيل “مراضاة” طهران قليلًا من ناحية، وإدامة عملية استنزاف روسيا على أراضي أوكرانيا من الناحية الثانية. وهكذا غدت العملية متكاملة المعالم الآن: حرب استنزاف أميركية لإضعاف روسيا عبر أوكرانيا على نحو غير مباشر، مقابل فتح جزئي لأنابيب النفط والغاز الإيراني. والهدف هنا يكمن في الحفاظ على شكل من أشكال التوازن الدولي المتمثِّل في ديمومة تجهيز أوروبا الغربية بالنفط، من ناحية أولى، والمطاولة في استنزاف الاقتصاد الروسي عبر تسليح أوكرانيا، إلى ما لا نهاية من الناحية الثانية. هذا، بالضبط، هو ما حدث حينما تم استدراج العراق وإيران إلى حرب ماراثونية (طوال ثماني سنوات عجاف)، كخطة هدفت إلى “الاحتواء المزدوج” Double Containment.
الهدف النهائي، كما يبدو في هذا السياق، هو مواصلة إضعاف روسيا حد تيئيس الرئيس فلاديمير بوتين من حلم صعود روسيا قطبًا مقابلًا وموازيًا للولايات المتحدة. والهدف النهائي هو: منع قيام عالم مزدوج القطبين ثانية، كما كانت عليه الحال على سنوات الاتحاد السوفييتي السابق والحرب الباردة!
هي خطة محكمة، كما أرادها الأميركيون، وهي تتجسد أمام أعيني: لجم حلم الرئيس بوتين بارتقائه القطب النِّد المقابل للولايات المتحدة، رغم أنف الصينيين الذين يأملون رجوع العالم المزدوج القطبية من أجل فرص إضافية لتقدمهم واستثمار الصراع من أجل صين موحدة: “الصين القارية” مدمجة مع الصين الوطنية، “تايوان”!



أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي