إن أحزاب «;اليسار الإسرائيلي» يُمكن تحديدها في الوقت الحالي من قبل المراقبين والمراجع السياسية في دولة الاحتلال، بـ(حزب العمل + حزب ميرتس + حزب راكاح + ومجموعات أكاديمية من تيارات ما بعد الصهيونية، والمؤرخين الجدد)، وهي أحزاب باتت ضعيفة الحضور والتأثير..
يقترب موعد الانتخابات التشريعية في “إسرائيل”، في ظل طوفان قوى اليمين واليمين المتطرف في المجتمع “الإسرائيلي” ضمن معسكرين: المعسكر الأول وهو معسكر الحكومة الائتلافية الحالية بزعامة يائير لبيد. والمعسكر الثاني المعارض بزعامة بنيامين نتنياهو وحزب الليكود. بينما نال الضعف والوهن ما يُسمى بمجموعات “اليسار الصهيوني” التي أصبحت ضعيفة الحضور والفعل والتأثير. بل وأصبحت، ومنذ وقتٍ ليس بالقصير، كتلًا هلامية، وحضورها محدودة في قاع المجتمع الصهيوني على أرض فلسطين، حتى لو سَعَتْ بكل إمكاناتها، في التنافس مع باقي أحزاب وقوى الخريطة السياسية “الإسرائيلية” للفوز بالحضور في مجتمع التطرف في “إسرائيل” وإعادة التوازن لحضورها من حيث عدد أعضائها في الكنيست من خلال صندوق الانتخابات، حيث ينهل المتطرفون دروس “الفاشية” و”النازية”، والتواطؤ مع مجموعات (اللوبي) “الإسرائيلي” الصهيوني، التي تحظى بحضور في المجتمع اليهودي في الولايات المُتَّحدة الأميركية، خصوصًا في مدينة نيويورك.
إن حزب العمل “الإسرائيلي” (حزب الماباي)، الحزب المؤسس لدولة “إسرائيل”، بقيادة ديفيد بن جوريون، وجيل رعيل المراحل الأولى من قيام “إسرائيل” (ديفيد بن جوريون ذاته + موشيه شاريت + إسحاق رابين + شيمون بيريز + إيجال يادين + موشيه ديان + مناحيم بيجن + إسحاق شامير + إيجال آلون + جولدا مائير...)، والذين خاضوا حروب “إسرائيل”، وحروب أقامتها بالدم والحديد والنار، وتهجير الشعب العربي الفلسطيني بعملية ترانسفير لم يشهد تاريخ الصراعات في العالم، وقام ببناء “دولة إسرائيل” عام 1948.
إن هذا الحزب الذي يُصنف كونه من “أحزاب اليسار الإسرائيلي الصهيوني” منذ أن أصبح عضوًا في مجموعة “الاشتراكية الدولية”، يجد حاله الآن في تراجعٍ مُستمر، من كونه الحزب الأول في “إسرائيل” من العام 1948 إلى العام 1977، إلى حزبٍ متراجع، يعيش فترات “أفوله” البيولوجي والسياسي والشعبي بين اليهود، منذ العام 1977، عندما هُزِمَ لأول مرة في الانتخابات التشريعية للكنيست، فتفوق عليه حزب حيروت (الليكود) بقيادة الشخص الموغل في يمينيته وتطرفه مناحيم بيجن، ومن معه من مجموعات وعتاولة العصابات الصهيونية و(الهاجاناه) قبل العام 1948 ومنهم إسحاق شامير، وأرئيل شارون...إلخ.
والآن، ليس عند حزب العمل (الماباي) ما يقوله، في ظل طفرات وتشكيلات حزبية جديدة، ومُستجدة في “إسرائيل”، وبعيدة عن تجربة (عتاة الصهاينة) وأجيالهم الجديدة، والتي تربطها بالولايات المُتَّحدة الأميركية علاقات “سوبر” وفق تصريحات كانت قد صدرت من قبل البعض في الإدارة الأميركية قبل فترة ليست بالبعيدة.
وهنا، لا تتعلق المسألة عند الحديث عن تعدد الطيف السياسي “الإسرائيلي”، فـ(موقع عرب 48) الذي يُتابع دواخل الوضع “الإسرائيلي” على كل المستويات، وينشر أبحاثه المتعلقة بذلك، من داخل مجتمع الحركة الصهيونية في فلسطين المحتلة، اعتبر أن انقسام المجتمع “الإسرائيلي الصهيوني” على أرض فلسطين المحتلة يسارًا ويمينًا يتعلق في جانبٍ منه بالمسائل السياسية، والنظر لحل القضية الفلسطينية، والحل الدولي المعنون بـ”حل الدولتين”، وافق المرحلة القادمة. ويتعلق في جانبٍ أخر منه بـ”اختلاف النماذج الاقتصادية واختلاف الأدوات والخطاب وطبيعة النموذج المُتخيل. ضمن آلية تجاذب داخلية. وفي ظل هيمنة تصور كيان الاحتلال الإسرائيلي، وتبادل سلطاته يمينًا ويسارًا تحت مظلة مشروع استعماري عنصري، تمخَّض عن بروز ما تفتقت به ذهنيتهم عن فكرة “الصهيونية الليبرالية... انتبهوا الصهيونية الليبرالية... كأحد مآلات “اليسار الصهيوني المتوقعة خلال الفترات القادمة”.
وبالنتيجة، إن مجموعات وأكوام أحزاب ما يُسمى بـ”اليسار الصهيوني”، وعلى رأسها حزب العمل (الماباي) تهاوت، وتراجعت من دورة انتخابية إلى الدورة التي تليها، فهبطت عضوية حزب العمل في الكنيست 70 عضوًا على متوسط التقدير منذ العام 1949 في أول دورة انتخابية للكنيست، إلى خمسة أعضاء فقط في الانتخابات الرابعة المُكررة (أي الانتخابات الرابعة والعشرين للكنيست منذ العام 1949). والآن تعطيه نتائج استطلاعات الرأي بين خمسة إلى ستة مقاعد. وكل هذا يشي بأن قوى اليمين موجودة في المعسكرين المتنافسين في “إسرائيل” (معسكر يائير لبيد ونفتالي بينيت X معسكر نتنياهو)، وأن سياسات التطرف باقية في دولة الاحتلال الإسرائيلي في ظل الاندلاق العربي للتطبيع معها، وحالة الانهيار العربية بشكلٍ عام.
إن أحزاب “اليسار الإسرائيلي” يُمكن تحديدها في الوقت الحالي من قبل المراقبين والمراجع السياسية في دولة الاحتلال، بـ(حزب العمل + حزب ميرتس + حزب راكاح + ومجموعات أكاديمية من تيارات ما بعد الصهيونية، والمؤرخين الجدد)، وهي أحزاب باتت ضعيفة الحضور والتأثير في مجتمع التطرف “الإسرائيلي”، اللهم سوى الحضور النسبي لـ(حزب راكاح) في الوسط العربي، باعتباره حزبًا عربيًّا بالأساس قبل قيام “إسرائيل”. لكن غير لافتته من الحزب الشيوعي الفلسطيني وعصبة التحرر إلى الحزب الشيوعي “الإسرائيلي” بعد إعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي، فتوحَّد الحزب مع بعض الأعضاء اليهود الذين انضموا إليه، وعقد مؤتمر عام في صالة سينما (ماي في حيفا) ليعلن أن اسم الحزب بات كواقع لا بُدَّ منه تحت لافتة “الحزب الشيوعي “الإسرائيلي”.
وبالاستخلاصات الأخيرة، إن حظوظ تلك الأحزاب والقوى المحسوبة على “اليسار الإسرائيلي”، بالنسبة لإمكانية الفوز بعدد جيد من المقاعد للكنيست في الانتخابات القادمة، متواضعة، وستراوح مكانها، في حين سيبتلع المعسكران المنافسان والمتنافسان، وهما يسيران وفق خط اليمين والتطرف أصلًا، غالبية المقاعد.


علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك
[email protected]