المؤكد من خلال المنزلة التي وصلت إليها سلطنة عُمان في هذا المجال، أنها تتميز بالتخطيط والصبر والمراجعات، والاستخدام الناجح للتقنيات الزراعية والمتطلبات الأخرى في الرعاية الإنباتية، والتسويق، لتأمينه إلى المستهلك بأسهل الوسائل.

تمتدُّ المسافة الاعتبارية لمفهوم الأمن الغذائي بين نقطتي نقصهِ وتوافرهِ بالعديد من المؤشرات التي ينبغي التوقف عندها وأخذ الدروس منها.
لقد اهتم الإنسان بهذا المفهوم منذ أقدم العصور فلجأ إلى إقامة الصوامع؛ بهدف تخزين طعامه للاطمئنان على توافره والتحسب لاحتمالات افتقاده. أما النقطة الأساسية لوصفه بالعامل الحيوي للتمتع بالحقوق الحياتية الأخرى فقد جاء في النَّص الذي ضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، ضمن المادة 25 أولًا، (لكل شخص مستوى معين يكفي لضمان الصحة والرفاهية له ولأسرته وخصوصًا في المأكل و…..)، ثم تتابع الاهتمام به أكثر، من خلال محطة مفصلية عام 1974، متمثلة بالمؤتمر الدولي الذي عقدته الأمم المتحدة للغذاء الذي أشَّر استحقاقات ملزمةً تحاشيًا لأي نقص أو رداءة في نوعيته.
لا شك أن انعدام الأمن الغذائي يعود بالدرجة الأساس إلى فشل التنميات المستدامة، والحروب والنكبات البيئية من جفاف وأعاصير وفيضانات وأوبئة، وكذلك إلى استخدام تجارة الغذاء سياسيًّا لفرض النفوذ، وانقطاع طرق إمداده البحرية بين الحين والآخر كما حصل نسبيًّا على هامش الصراع الروسي الأوكراني الحالي، الأمر الذي تطلب تحركًا دوليًّا من الأمم المتحدة وتركيا لإعادة شحن الحبوب الأوكرانية والروسية إلى الأسواق العالمية.
السائد الآن عالميًّا، ازدياد الطلب عليه في أغلب الأسواق مع صور مهزوزة عن الإمكانات المتوافرة له في ميزانيات بعض الدول مقابل هدر يطوله ضمن مجموعات بشرية لا تعرف الترشيد، وتخلف أطنانًا من بقايا الطعام الذي يذهب إلى مكبات النفايات سنويًّا.
في إطار هذا الواقع يُجمع خبراء أن مخلفات الطعام المهدور في العالم الآن كافية للقضاء على المجاعات في بلدان ما زالت تعاني منها، وفي هذا السياق لنا أن نعي دلالة وقوف مارتن جريفيت رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في الأمم المتحدة مخاطبًا مندوبي الدول الأعضاء فيها قبل أيام، (من فضلكم لا تنسوا الصومال).
لقد دفع الجوع في إفريقيا مجموعات سكانية إلى مضغ ورق مطبوعات إرشادية توزعها منظمات دولية لتحسين الوسائل الزراعية، معتقدين أنها نوع من الطعام الورقي بعد أن أصابهم اليأس من الحصول على ما يسدُّ رمقهم. وفي هذا السياق، تتصدر قضية الأمن الغذائي الاهتمام، خصوصًا بنسخته المتمثلة بالمجاعات، لذلك أقيمت محطات توثيقية ميدانية لمعالجة آثاره الخطيرة على مصير الإنسانية.
إن منظمة الزراعة والأغذية، الفاو، وبرنامج الغذاء العالمي، والمؤتمر الذي خصص له عام 1996 وما تلاه من بيانات ونداءات، تكشف بالدليل القاطع كم هي ضرورية الإجراءات التي ينبغي أن تتوافر للبشرية في السيطرة على هذه الحاجة الأساسية.
الحال، يُعتمد هذا المقياس لتقييم الأداء الاقتصادي للدول إلى جانب مقاييس أخرى الخاصة بالتنمية البشرية المستدامة، إزاء ذلك، ومن منطلق المقارنة وحسابات التأهيل، أن تحتل سلطنة عُمان المركز الأول في مؤشر إمكانات الحصول على الغذاء والمركز الثالث في مؤشر جودة وسلامة الغذاء على المنصَّة العربية، فهذا التصنيف يشير بصورة مباشرة إلى دقة ومتانة توجُّهات السلطنة في الالتزام بمعايير الأمن الغذائي.
لقد ورد تصنيف سلطنة عُمان في هذا المجال ضمن تقرير المنظمة العربية للتنمية الزراعية السنوي لعام 2021 بشأن الأمن الغذائي في البلدان العربية، علمًا أن التقارير الصادرة في هذا الشأن تعتمد مقاييس تتعلق بالتطورات والمتغيرات الذاتية والخارجية المؤثرة فيه.
إن الشروط التي تؤهل الدول للحصول على المراكز المتقدمة فيه، تتطلب جملة اعتبارات، على رأسها تحقيق اكتفاء منه، والحرص على نوعيته، وهل يتوافق مع الحاجة الصحية للإنسان؟ وهل تتحقق العدالة في تلبيته للجميع بدون تمايز أو نزعات حصصية؟ بل هل يتحقق ضمن استراتيجيات في منأى من التلاعب؟ وما حجم الائتمان عليه؟ وهل هناك احتياطي منه لمواجهة الحالات الطارئة؟ وكم هو حجم الجهود الضامنة له، وكذلك الحال خلال الظروف الطارئة؟
المؤكد من خلال المنزلة التي وصلت إليها سلطنة عُمان في هذا المجال، أنها تتميز بالتخطيط والصبر والمراجعات، والاستخدام الناجح للتقنيات الزراعية والمتطلبات الأخرى في الرعاية الإنباتية، والتسويق، لتأمينه إلى المستهلك بأسهل الوسائل.
بخلاصة استنتاجية، إن إنجاز السلطنة في تلبية الأمن الغذائي وفق المؤشرات التي أشادت بها المنظمة العربية للتنمية الزراعية يعكس مدى الانسيابية الموفقة التي تحظى بها رؤية عُمان 2040.



عادل سعد
كاتب عراقي
[email protected]